للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من خلال طبقة كبيرة من الناس تستحق الرفق بها، وهو مطالب بالذود عنها وعن أصولها بالمفخارة والاعتداد بالنفس.

وأما موقفه من وضعه ولونه فقد كان فيه كبرياء الرجولة والإيمان بحقيقة إنسانية سامية، ولذا كان يرد على التعريض واللمز بمزيد من الاعتزاز والفخر بهذا اللون، منطلقًا من فردية متكاملة، ومن موقف فيه رفض التقاليد التي تجعل ابن الأمة الأسود اللون دون غيره من الناس. وكانت هذه الفردية تحمل خلال القبيلة كما تحمل شوقًا إلى وضعٍ إنساني أرفع يقاس المرء فيه بمزاياه وصفاته لا بنسبه ولونه، ولكنه بالرغم من سورة التمرد المتمثلة في موقف الإباء والرجولة كان يحس إحساسًا خفيًّا بأن على المرء أن يكون بطلًا، ولكن ذلك قد جعل نفسه تنطوي على قدر كبير من المرارة إزاء يأسه من تبديل الناس ومفاهيم المجتمع، لهذا قد ينفع التحدي الفردي في طرح المشكلة, ولكنه لا يحلها كقوله:

أذكر قومي ظلمم في وبغيهم ... وقلة إنصافي على القرب والبعد

بنيت لهم بالسيف مجدًا مشيدًا ... فلما تناهى مجدهم هدموا مجدي

وقد جعله ضيقه بالناس يخلع شيئًا من إنسانية الإنسان على جواده, فيحبوه بعض صفات الآخر ليقيم معه حوارًا. وهو يرى في شعر عنترة تميزًا قلَّ نظيره في الأدب العربي القديم, بل في الآداب العالمية القديمة١.

أما الصعلكة٢: فيرى أنه لا يمكن رصد الظاهرة دون تعمّق أسبابها الاجتماعية والاقتصادية، كما لا يمكن اعتبار الصعاليك ذوات متمردة على مالوف القبيلة وعاداتها وتقاليدها؛ لأن التمرد لا يمكن أن يقوم ويستمر إلّا في إطار وضع تاريخي معين، ومن البداهة أن أكثرية الصعاليك لم تكن تهمها العودة إلى القبيلة؛ لأنها لم تخرج عليها بطارئ فردي، كما أنه لم يكن بهمِّها الانتماء بالولاء أو الاستجارة إلى قبيلة أخرى؛ لأن الشعور بالدونية سيكون في الحالة الثانية أَمَرّ وأدْهَى. ويميز صورتين لأنموذجين من الصعاليك: صورة الفردية الناقمة المكابرة التي تستشعر مهانة الفقر والمكانة الاجتماعية ويمثلها الشنفري، والثانية صورة الفردية الاجتماعية التي تحسن تخلخل البنية القبلية والتفاوت في الأرزاق والظلم الذي ينزل


١ مدخل إلى الأدب الجاهلي ١٨٨-١٩٢.
٢ المرجع نفسه ١٩٢-٢١٢.

<<  <   >  >>