للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٠- لئن كان الإنسان طليلة حياته يمارس نفي الطبيعة عبر التأثير عليها من خلال العمل والنشاط الاجتماعي ابتغاء الانعتاق من ربقتها وإخضاعها له، بدلًا من خضوعه لها، وهذه هي الحضارة، فإن البدائية هي تقديم الولاء وكافة ضروب الطاعة للطبيعة, والانضواء تحت لوائها١.

١١- الظاهرة البادية في الشعر الجاهلي أن موجودات العالم الخارجي حاضرة دومًا، وبكامل ثقلها في روح الشاعر، الأمر الذي يستدعي بدروه التعامل مع هذا الخارج تعاملًا حسيًّا مباشرًا، ويؤدي إلى تقديم صورة تجسيمية تجعلك تشمّ الأشياء الموضوعية وتسعمها وتراها وتلمسها. ومن هنا جاءت النزعة الحسية إلى الشعر الجاهلي٢.

١٢- من مظاهر تمثل الجاهلي لبيئته الطبيعية ما يبديه من عطفٍ على الحيوان واهتمامٍ به، فالحيوان يداوم على الظهور كواحد من أبطال القصيدة الجاهلية.

١٣- جاءت الحكمة الجاهلية محاولة لتنفيذ الواقع في الوعي، ونزوعًا نحو تكثيف الموضع في الحس، لا تجريدًا لهذا الواقع وهذه الموضوعات، وذلك لأن البدائي يحيا في فجر الوجدان لا في ظهريته. ويرى الباحث أن سرَّ خلود الشعر الجاهلي أنه لا يكتفي بإحالة البعد العقلاني للحياة إلى بعدٍ وجداني فحسب، ولا هو الذي يعقِّلَنَّ الوجداني ويضيفي عليه التَّذَهُنَ، بل هو يملغم كلا البعدين في سياق متناغم؛ بحيث يتوحدن في كيان لا يعرف النشاز٣.

١٤- تبدو الصورة الجاهلية في كثير من الأحيان ترتيبًا للواقعة لا للمشاعر, ونشعر حينما نقرأ القصيدة الجاهلية أن الصورة لا تعدو كونها تابعًا للواقعة، شيئًا ملحقًا بها، وليس صميمًا، بينما ينبغي في الشعر الآبد أن تكون الصورة غلافًا يغشى العاطفة ويبطنها من الداخل، بل تنحل فيها العاطفة انحلال النسغ في النبتة, وذوبان الحمرة في الوردة٤.

١٥- نحس الخواء العاطفي في كثير من الصور الشعرية الجاهلية، هو ما يحرم.


١ مقالات في الشعر الجاهلي ٤١.
٢ نفسه ٤٢.
٣ نفسه ٥١.
٤ نفسه ٥٤٧-٥٨.

<<  <   >  >>