للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما حنان الحيوانات على صغارها, فإنها تعكس حاجات ودوافع أبوية وأمومية لدى الشاعر، وربما رأينا فيها نهجًا لفض نزعة التوالد والإخصاب١. أما الطلل والطبيعة فيرى الباحث أنه غالبًا ما يتبدَّى الطلل كأنه فعل من أفعال الطبيعة، أو نتيجة من نتائج فعلها، فعناصر الطبيعة دومًا صافعة وهادمة بالنسبة للجاهلين, وهذا في مجمله جزء من العلاقة العدائية القائمة بين الإنسان الخالي من التقنية والصناعة وبين الطبيعة, وربما كانت الطللية بمجملها لا تحمل إلا غاية واحدة هي التعبير عن اغتراب الإنسان في مملكة الطبيعة العاتية التي تعجز أدوات البدائيين عن تدجينها٢.

٧- وفي مجال حديثه عن اللغة الطللية وتحليلها, يرى أن "في كون الطللية تفريغًا لمقولة التضاد بين الذات وموضوعها الساحق لها، وفي اتخاذ هذا التضاد شكل قطبين متنازعين: الشاعر والواقع، يكمن العامل الاساسي الذي أملى على اللغة الطللية أن تستوعب السلب وتشعه وتعمل على تخطيه. لذا، فقد جاءت حاملة للموقفين الداخلي والخارجي، ومعبرة عنهما.

ولقد عكست هذه اللغة القطب الأول للتناقض "روح الشاعر" عَبْرَ ألفاظ رقيقة ذات طابع عاطفي وعربي مشبع بمكونات الوجدان الإنساني، في حين عكست القطب الآخر عبر ألفاظ هي في الغالب إحالة إلى يبوسة الواقع وفظاظته، وإلى مذاق القحل وهمجية الطبيعة, ولهذا كانت اللغة الطللية تغالي في استقطاب المتعارضات, ولكنها لا تصهرها في وحدة تصويرية. وتتجلى هذه النثائية للفظة الطللية خير تجلِّ في أنها حين تصف الاقفرار تلجأ إلى مفردات من المعجم الغريب, في حين تلجأ إلى المعجم الفعال المألوف أو إلى المفردات الرقيقة الدالة على ليونة النفس عندما تعبِّر عن الموقف الإنساني النقيض٣.

ويقدم الباحث انطلاقًا من المنطلقات النظرية التي عرضنا لها آنفًا تحليلًا للامية العرب للشنفري٤، وقد أسهب في تحليلها تطبيقًا على منجهه الذي تبناه, ولعل من المفيد أن نورد خاتمة تلك الدراسة الجيدة للامية، يقول: "لئن كان


١ مقالات في الشعر الجاهلي ١٨٥.
٢ نفسه ١٨٧.
٣ نفسه ١٨٧-١٨٨، الجاهلي ١٨٧-١٨٨.
٤ نفسه ٢٠٩- ٢٩٣.

<<  <   >  >>