للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتمثل الأبيات "٤٧-٥١" لوحة فنية نفسية رائعة, تنبش شعور الشاعر بالاجتياح الذي تمارسه الحياة عليه, وذلك من حيث أن الليل لم يكن ليبتليه بالهموم فحسب، وإنما هو الصورة الخارجية لحسّ الهم القابع في داخله١.

ويبحث الباحث عن رابط يربط بين اللحظات السابقة من المعلقة, ويراها في أن "اللحظة الطللية اندغمت فيها عناصر ثلاثة: الحاجة إلى العشق، والانهدام الحضاري، وقحط الطبيعة، وتلا ذلك سلسلة مغامراته بمثابة توكيد على أن الحال هي دومًا هكذا "مقهورة"، وأن الماضي ميت كالحاضر تمامًا، على الرغم من أن هذه المغامرات تنطوي على تعويض واضح يؤكد رجولته وقدرته على الاجتياز"٢.

وفي البيت "٥٢" يحاول الشاعر أن يشعرنا بأهميته وبرد فعله على الليل أو على البديل، القهر والحصار، إلّا أنه يسقط من جديد تحت وطأة الهموم، لكنها الآن هموم الآخرين التي ينوء تحتها كما ناء تحت حمل الليل الذي يشبه حيوانًا خرافيًّا٣.

وفي الأبيات التالية "٥٣-٥٥" يستمر الموقف عينه في البيت "٥٣" بحيث ظلّ مثابرًا على التغطية على اتضاح الأنا وقهرها.

وتأتي بعد ذلك لوحة الحصان تحرف النزوع الذي عن وجهة الشبقية, ولكن دون أن يخسر خصوصية اللذية لتوجهه إلى موضوع آخر يتسم بكونه لذيا وغير مقموع، على الرغم من أن لذيته ليست من النمط الشبقي "الأبيات ٥٦-٦٦". وامرؤ القيس لا يريد من حصانه إلّا أن يروي تعطشه إلى القوة, والصفة الجوهرية لحصانه هي حسّ الحياة المنطوية على الحركة والحاملة لمنازع جنسية، وهذا الحس نقيض لكل قهر. ولا تقع لوحة الحصان بمنأى عن نزعة توكيد الذات. وإن المعلقة عند لحظة الحصان تعد تحولًا جدليًّا كبيرًا بل تحقق وثبة نوعية تقلب الموقف رأسًا على عقب؛ إذ هي تنتقل من الشيء إلى ضده، أو من الدفاع إلى الهجوم٤.


١ بحوث في المعلقات ١٥٥.
٢ نفسه ١٦٩.
٣ نفسه ١٦١.
٤ نفسه ١٦٧، ١٧٠.

<<  <   >  >>