للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تاريخ الثقافة العربية، وأنه المكمل الحقيقي، مضافًا التدمير في حياتهم. فليس عبثًا أن يستهل الشاعر البيت التاسع بحرف "الكاف" الذي يحتاج إلى كثير من الانتباه، لكونه يوحي مباشرةً ودون إضمارية بأنّ الشاعر لا يعرض إلّا سلسلة من الإحباطات والإخفاقات التي مُنِيَ بها، والتي من شأنها أن تعكس المدى الذي بلغه الكبح في المرحلة الجاهلية, والمدى الذي سيبلغه في التاريخ الوسيط١.

ويتضح أن البيت التاسع الذي بدأه بالكاف لربط الجزئيات اللاحقة بالبرهة الطللية التي يرغب في عبورها إلى ما يؤكد الذات ويرد على القهر, ويشغل المقطع الثاني من المعلقة الأبيات "٩-٣٣"، وفيه يتسلل الشاعر خفية لينتقل من عرض القهر إلى حالة توكيد الذات أو الرد على القهر. لذا فإن ما يمكن أن ندعوه مجون امرئ القيس، كما هو في ظاهره، لا يعدو كونه في الحقيقة محاولة لا واعية يقوم بها الشاعر لتحقيق أمرين متعارضين٢:

١- توكيد ما يعانيه من القمع والاحتجاز الجنسي, مما يوثّق ارتباط هذه الأحداث بالبرهة الكلية للمعلقة.

٢- توكيد الذات من خلال التبجح وتحقيق الرغبة.

وتدخل المعلقة بعد ذلك "الأبيات ٣٤-٤٦" في برهة تنزع نحو الوصف السكوني الخالص من الحادثة والساعي نحو تقديم مثالية للمرأة كما يراها هو وكما تراها الجاهلية بعامة. وهذه البرهة في نظر الباحث "تبدو مفككة تفكيكًا داخليًّا, هي جماعية علائق تأتي من مجملها دلالة مترابطة من الداخل, وهذه الدلالة هي سعي الشاعر نحو تجسيد مثال المرأة في عيان موحّد, أو في تشخيص قائم عيانيًّا, وتبدو المرأة الآن أقرب إلى المثال منها إلى الحقيقة"٣.

ويذهب الباحث إلى تعليل التجسيمات المادية المحسوسة في وصف المرأة بأنها ترد إلى أمرين: النزوع الشهوي لدى الشاعر، والقداسة التي كانت يضفيها الوثنيون على المادة، فالوثنيون والبدائيون لا يملكون أن يروا المعنى مخلوعًا عن حامله المادي٤.


١ بحوث في المعلقات ١٢٨.
٢ نفسه ١٤٠.
٣ نفسه ١٤٩.
٤ نفسه ١٥٠.

<<  <   >  >>