للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٨) والشاعر الجاهلي إذ ينطلق من البرهة الطللية، إنما يتخذ قاعدة له أكثر الموضوعات الخارجية والواقعية تأثيرًا على معاصريه الذين يتحسسون فعلًا, لعل أكثر الأمور دلالة في براهة الطوفان هي "مسألة النور التي تطرح في البيتين ٧٤، ٧٥ عبر مجموعة كبيرة نسبيًّا من المفردات: برقًا، وميضه، لمع، يضيء سناه، مصابيح، السليط، الذبال, ولنلاحظ كذلك أن مصابيح الراهب تكرر هنا مرة ثانية"١.

والملاحظ أن السيل ينبثق تمامًا عن نفس الحاجة التي انبثقت منها برهة الصيد والحصان، ومعنى هذا أن القسم الثاني من المعلقة ردٌّ غير مباشر على القهر الذي يهيمن عليه ويرضخه، والذي تجلى بوضوح في براهة الليل٢.

ولا يمكن للنظر الأعمق إلّا أن ترى في لوحة المطر تركيبه من عدة عناصر "موتيفات" هي٣:

١- النزعة التدميرية للشاعر والطبيعة, وهنا يتوافق وعي الذات ووعي الموضوع.

٢- البحث عن الوفرة والخصب كرد فعل على القحل والتدمير الذي تمارسه الطبيعة على الطلل "الحضارة".

٣- حرف الجنسية عن نزعة نقض السائد من خلال الممارسة الاجتماعية, وإشباع حس النقض إشباعًا خياليًّا.

وهكذا نجد في لوحة المطر جملة من الصور الذهنية المجرَّدة واللاشعورية تتناسج إضماريًّا وخفية لتؤلف شكلًا فنيًّا لبرهة المطر، وهي بهذا تتحكم بالعلاقات الأعمق لهذا الشكل، وعلاوة على ذلك نجد لحظة السيل جاءت استجابة للحاجتين الأساسيتين اللتين تتأسس عليهما المعلقة جملة, وهما: الخصب وتوكيد الذات أمام القهر عبر التدمير والإرضاخ٤.

ويلخص الباحث النظرة الشمولية لمعلقة امرئ القيس بأن "الخيط الناظم لها هو انقهار الذات أمام كل من الطبيعة والمجتمع، وانتصار لها من خلال توكيدها المباشر وغير المباشر"٥, كما يؤكد بأن امرئ القيس هو "رافع أول صيحة تحرر في


١ بحوث في المعلقات ١٨١.
٢ نفسه ١٨٥.
٣ نفسه ١٨٨.
٤ نفسه ١٨٩.
٥ نفسه ١٩٤.

<<  <   >  >>