للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما في "صورة المرأة في المعلقات"١, فإن الباحث يرى أن المرأة في المعلقة ضرورة تؤدي وظيفة تغطية حسّ الافتراس والاستجابة للتحديات، وإنها شكل فني يتخذ ذريعة للرد على التحدي الخارجي، وصورة المرأة الفنية في المعلقات في معظم الأحيان توليف من عناصر البيئة الخارجية ولا سيما عناصر الطبيعة.

وحضور المرأة في المعلقات ترجح بين أكثر الأشكال إمعانًا في الفحش وبين أعمق حالات التلوع المقدس لحظة الفراق والحرمان من المرأة المنشودة التي تصورها المعلقة في بعض الأحيان تصويرًا ممعنًا في العذرية. والمرأة -حتى في شعر امرئ القيس- توليف من الغريزة الجنسية والحلم الجنسي مصاغين صياغة مادية, لها القدرة على تأسيس انفعال داخلي يسمو على ما هو شهوي، ويرتقي إلى ما فوق الحسي، وإن الصورة الفنية للمرأة في المعلقات هي الأساس الذي بني عليه الغزل الأموي الشديد الارتقاء، ولكن الفارق الجوهري بينهما أن الغزل الجاهلي تعامل مع المرأة تعاملًا وصفيًّا ينزع نحو التجسيم الحسي لجسد المرأة، بينما ينزع الغزل الأموي، إذا استثنينا مدرسة عمر بن أبي ربيعة، نحو التمركز حول الحالة الداخلية للشاعر المتفاعل مع وضعه العشقي الشديد التحجيب للجنسية, والحاذف للشبقية حذفًا تامًّا.

وخلاصة صورة المرأة في المعلقات بخاصة, والشعر الجاهلي بعامة: إنها تنطوي على عنصرين أساسين: جسد المرأة منظورًا إليه من الخارج، وعلاقة الرجل بالمرأة من حيث هي الشق الآخر للوجود البشري. ولعل السمة الأكثر طغيانًا على التقنية الشعرية المتعاملة مع العنصر الأول هي النظر إلى المرأة من خلال الكائنات الطبيعية وعناصر البيئة، الأمر الذي من شأنه أن ينمّ عن علاقة من نوع ما بين الطبيعة والجنس، وأما ما يتميز به العنصر الثاني فهو تقديم مواقف الفراق واختلال العلاقات العشقية، وهو ما قد يوحي بالحرمان من الإشباع العشقي في مجتمعٍ قد ثبت أعرافًا قمعية صارمة.

والشاعر الجاهلي بعامة قد جاء بصورة المرأة متطابقة تمام التطابق مع مثال المرأة في الذهن الجاهلي، وأنه دمج هذه الصورة بأشدِّ حاجاته إلحاحًا، وهي توكيد الذات.

وفي ختام حديثنا عن المنهج الاجتماعي لا بُدَّ من إشارة، ولو موجزة، لباحث


١ نفسه ٢٣٥ وما بعدها.

<<  <   >  >>