للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخارجي، زمن الواقع الاجتماعي نفسه, ومن هنا لا تتشكل المعرفة بأشكالٍ ثقافية معينة تنتمي إلى بنية اجتماعية معينة إلّا بعد وقت قد يتأخَّر كثيرًا عن وقت تشكل البنية الاجتماعية هذه التي تنتجها١.

١١- حدد الباحث المعالم الثقافية الجاهلية بـ: المعلم اللغوي, والمعلم الشعري، ومعلم الأمثال، ومعلم المواسم الأدبية، ومعلم الخطابة، والكهانة، والمعلم الميثولوجي٢.

أما اللغة: فلا بُدَّ من النظر إليها على أساس ارتباطها العضوي هذا بتاريخ المجتمع الذي تنتمي إليه، وعلى أساس أن هذا الارتباط ذاته يضعها في علاقة حتمية مع ثقافية المجتمع نفسه؛ من حيث أن ثقافته هي نتاج تاريخه أولًا، ومن حيث أن لغته هي الأداة التعبيرية لهذا النتاج الثقافي ثانيًا.

وأما الشعر: فالذي يعنينا من دلالاته هو ما تتضمنه تلك الدلالات من أبعاد يحدها اثنان: البعد الاجتماعي والبعد المعرفي, والظاهرة الشعرية الملازمة لتلك السمة التاريخية هي سيطرة العلاقة الاجتماعية -القبلية- على الآلية الداخلية للشعر الجاهلي سيطرة مطلقة، بحيث لا تبدو علاقته مع ذات الشاعر إلّا كمظهر تكويني لتلك العلاقة المسيطرة، لهذا سقطت الحدود داخل هذا الشعر بين ما هو صوت الشاعر في القبيلة, وما هو صوت القبيلة في الشاعر, وبمعنًى آخر: كان الشعر شعر القبيلة العربية قبل الإسلام. أما الصعاليك فقد تميز شعرهم بمفارقة من أبرز الدلالات التاريخية التي يحملها الشعر الجاهلي, فشعرهم مسكون في وقت واحد بكل مقومات شعر القبيلة العربية قبل الإسلام من جهة، وبكل مقومات الرفض لهذا العنوان من جهة أخرى، لكن هذه المفارقة لا تبلغ حد التعارض أو التناقض بين الوجهين, فهم لم يقولوا شعرهم خارج العلاقات اللغوية -الفنية لشعر القبيلة العربية في جاهليتها، ولا خارج العلاقات الاقتصادية -الاجتماعية لذلك العصر، ولكنهم قالوه في حالة لهم, هي شكل من التعبير السلوكي عن بداية التفكك التاريخي لمجمل تلك العلاقات، فكان شعرهم شكلًا من الوعي الأولي العفوي لتلك الظاهرة التاريخية، أي: ظاهرة الاهتزاز والتخلخل التي كانت قد بدأت تهز الأساس المادي للعلاقات القبلية في مجتمع شبه الجزيرة العربية آنذاك.


١ النزعات المادية في الفلسفة العربية ٢٤٢.
٢ نفسه ٢٤٥-٢٩١.

<<  <   >  >>