للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما يضاعف من حرصه إحساسه بخطر مخيف محدق بالشعر الجاهلي، وهذا الخطر يتمثّل في خشيته من أن يأتي زمن لا يفهم هذا الشعر وتنقطع الصلة به، وهذا ما دفعه إلى تأليف كتابه، ومما يضاعف من ذلك قصور نقدنا القديم, هكذا نقع بين قطبين: قصور نقدنا القديم، وبناء نقدنا الحديث على أسس من دراسة الآداب الغربية, وانعكاس ذلك على من درسوا أدبنا القديم١.

أما سبب تقصير البلاغيين والنقاد ووقوعهم في الأخطاء لأنهم لم يفهموا ما الأدب, ما كنهه؟ ما دوافعه؟ ما منشأه من النفس الإنسانية؟ ما وظيفته؟ ماذا يحاول؟ لِمَ تحتاج إليه الإنسانية؟ لماذا يهتم الأدباء بإنتاج, بل يساقون إليه سوقًا لا يستطيعون له دفعًا، ويكلفهم الكثير من الجهد ويفرض عليهم الكثير من التضحيات؟ كيف نتلقى إنتاجهم؟ وماذا يجب علينا أن نحاول التقاطه منه؟ وما طبيعة التجربة الفنية؟ وما علاقتها بالتجربة الواقعة؟ فيم تزيد عليها؟ وفيم تتفق التجربتان وفيم تتخلفان٢؟.

تلك هي الأسئلة التي يوجهها الباحث، ويحاول أن يجيب عليها في دراسته هذه، وفي الوقت نفسه يحذر من تطبيق مقاييس النقد الغربي، ويطلب منَّا ألا نندفع إلى إقحامها على أدبنا العربي، لأنها مهما اتفقت مع أدبنا العربي في أصولها الإنسانية إلّا أنها تختلف عنها في أمور جذرية، وتطبيقها المتعسف على أدبنا ينتج عنه ضرركبير٣. ولكن دراسة الآداب الأجنبية تفيدنا بتنبيهنا إلى مواطن الاختلاف بينها وبين أدبنا، فهي تزيدنا فهمًا لتراثنا الأدبي وإدراكًا صحيحًا عميقًا بطبيعته الخاصة، وإبصار واعيًا دقيقًا لوسائله التصويرية المميزة, واستجابة كاملة غنية لقيمه الجمالية المستقلة٤.

وفي محاولة لتحديد منهجه يقول: "لسنا ندَّعي بهذا أننا أقبلنا على دراسته بذهن خالٍ تمام الخلو، فإننا أقبلنا على هذه الدراسة وقد اكتسبنا مما تيسر لنا من ثقافة علمية وفنية فهمًا عامًّا للفنون الأدبية التي يستخدمها الأديب لأداء مضمونه.


١ الشعر الجاهلي١٣.
٢ نفسه ٢١.
٣ نفسه ٢٢-٢٣.
٤ نفسه ٢٤.

<<  <   >  >>