للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الآراء الطريفة التي يوردها حول الكرم، من خلال دراسته لهذه الشريحة من القصيدة، إن الشعر الجاهلي لا يرسم للعرب الجاهليين صورة الكرم التامّ إلّا إذا أخطأنا الاستنباط, وغفلنا عن دلالة الكلام. وإلّا إذا كانت معرفتنا بالشعر الجاهلي معرفة محدودة، وهذا الخطأ لا يقوم حجة على الشعر الجاهلي نفسه، وإن كل افتخار بالكرم يثبت البخل في آخرين١, ويستنبط حقيقة أخرى من الشعر أن الكرم كواجب مفروض كان يلزم أشرافهم وحدهم، أما للآخرين فهو مثل عالٍ يجلونه ويسعون جهدهم إليه, لكنهم لا يلامون إذا قصروا في بلوغه. ويرى أن السبب الأساسي في إيجاد ذلك الكرم الجاهلي وإحلاله منزلة عالية في قائمة فضائلهم الاجتماعية كان سببًا اقتصاديًّا٢, وله رأي طريف في الأخبار والأشعار المنسوبة إلى حاتم خلاصته أنها، في معظمها مصنوعة، لتدعيم الأسطورة٣.

ويطالب النويهي٤ بأن علينا إعادة النظر في جميع الأحكام الرائجة في تاريخنا الأدبي، وأن نخضعها لمنهج في البحث أكبر دقة، وبذلك نحقق هدفين:

أولهما: التحقيق الموضوعي النزيه المجرد من الهوى والتعصب والحلم الرومانسي بالماضي.

وثانيهما: إنصاف الجاهليين في حدودهم الزمانية والمكانية التي حددت أوضاعهم المعايشة فحددت إمكاناتهم الفكرية والأخلاقية.

وفي الفصل السابع٥ يتحدث النويهي عن الشريحة الثالثة في عينية الحادرة "نشوة الحياة: اللذة العنيفة والألم العنيف", ويرى الباحث أن في الأبيات هذه "تشخيصًا" حقيقيًّا كالذي نراه في الشعر الغربي "محمرة عقب الصبوح عيونهم: بمرأى هناك من الحياة ومسمع", فالحياة هنا مشخَّصة، كما يلفت نظرنا إلى التضاد في الأبيات، وإن ما ذكره الشاعر من إقباله على ملذات الحياة نعمها لا يعني أنه فاقد المرحمة ميت الضمير لا يهمه سوى متعته الخاصة، بل إنه ليدرك مبلغ شقاء الآخر من ذلك المجتمع, ويفعل ما في وسعه لتخفيف كربه ومداواة جراحه, وهو


١ النويهي ٢٣٣.
٢ نفسه ٢٣٤-٢٣٥.
٣ نفسه ٢٣٩.
٤ النويهي٢٥٣-٢٥٤.
٥ نفسه ٢٥٥-٢٩٦.

<<  <   >  >>