للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفيها يصف سانية، ويشبهها النويهي بالفيلم السينمائي المتحرك، ولكن الفرق أننا في الأبيات نجد أن أداة الشاعر الكلمات، وعلى القارئ نفسه أن يحولها إلى الصور المقصودة١.

ويعقد الفصل الخامس للحديث عن "الحب: النسيب والغزل"٢ وابتداء من هذا الفصل يشرع في ربط العنان بنصٍّ شعري يجعله تطبيقًا عليه, والنص هنا "عينية الحادرة" التي مطلعها:

بكرت سمية بكرة فتمتع ... وغدت غدو مفارق لم يربع

ويبدأ حديثه بمناقشة قضية قديمة هي افتتاح القصائد بالنسيب وتكرار تجربة الفراق إلى درجة تثير الملل في نفس القارئ بخاصة المحدثين، وتحملهم على التشكك في صدق الشعراء وأصالتهم. ويعرض لمختلف آراء الباحثين بدءًا من ابن قتيبة وانتهاءً بالباحثين المحدثين, أما رأيه هو فمتأرجح بين أن يكون ذلك الافتتاح أصالة أحيانًا وتقليدًا أحيانًا أخرى, ولكنه يعود ليؤكد وهو يقدم لعينية الحادرة أنه يقدم مثالًا على النسيب الافتتاحي الذي يقنعنا بصدقه التام، ويحمل إلينا حرارته عبر القرون، ولا يدع مجالًا لتشككنا في أن الشاعر يتحدث عن تجربة واقعة حدثت له٣.

وحينما ينتهي من شريحة النسيب وينتقل إلى الفخر القبلي "الفصل السادس", فإنه يطالبنا بالتركيز على الفهم التاريخي والدراسة الاجتماعية, أي: المنهج التاريخي الاجتماعي في دراسة الأدب، ذلك المنهج الذي يعطي أكبر اهتمامه إلى أنه مرآة تعكس لنا أحوال مكانه وزمانه, وسِجِلُّ حيُّ نستقرئ فيه دقائق الظروف المعايشة التي أنتج فيها، والتي خضعت لشتى عوامل البيئة المادية والثقافية٤, وخلاصة رأيه: إن واقع الحال بينهم في ذلك العصر القريب من الإسلام كان نزاعًا بين تقليد جاهلي قديم يقوم على شريعة الغاب التامة القسوة والدموية, وبين حس أخلاقي جديد ظهر أولًا في عدد من أفرادهم الممتازين المفكرين, ثم بدأ يسود القبائل الكبيرة ذوات الأنساب والأحساب٥.


١ النويهي ١٤٧
٢ نفسه ١٤٩-٢٩٦, وقد استغرقت الفصول ٥،٦، ٧.
٣ النويهي ١٦٤.
٤ نفسه ٢١٠.
٥ نفسه ٢٢٦.

<<  <   >  >>