للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أتاحت الفرصة لظهور لغة أدبية موحَّدة توحدت فيها لغات القبائل وذابت لهجاتها، واختفت منها الفروق اللغوية التي تعددت بسببها هذه اللهجات، فكانت صالحة لاتخاذها لغة الشعر والتسامي بها عن لهجاتهم المحلية, وكأنما عرفت الجزيرة ازدواجًا لغويًّا في هذه المرحلة١.

وهكذا فقد اكتملت القصيدة العربية في أواخر القرن الخامس الميلادي بعد توافر العوامل السياسية والاقتصادية والدينية التي أظهرت لغة قريش لغة أدبية موحدة, فرضت نفسها على المجتمع الجاهلي كله؛ حيث اصطلح الشعراء في الشمال والجنوب على اتخاذها لغة شعرهم، وراحت القصيدة الجاهلية تأخذ طريقها بعد ذلك نحو تطور طبيعي لم يكن بد منه, أي: إن القصيدة مرت بمرحلتين٢:

١- مرحلة النضج الطبيعي التي يمثلها امرؤ القيس وطرفة والمرقشان وعبيد وعلقمة.

٢- مرحلة النضج الصناعي التي بدأت مع الطفيل الغنوي وأوس بن حجر, وبلغت ذروتها عند زهير, ويمثلها: زهير والنابغة الذبياني وعنترة ولبيد.

ومن اليسير ملاحظة الظاهرتين التاليتين في الشعر الجاهلي٣:

١- ظاهرة المنهج الثابت للقصيدة الجاهلية.

٢- ظاهرة العقد الفني بين الشاعر الجاهلي وقبيلته.

وفي ضوء هاتين الظاهرتين نستطيع أن نلاحظ أن "القصيدة الجاهلية تنحلّ إلى قسمين أساسيين: قسم ذاتي يتحدث فيه الشاعر عن نفسه، يصور فيه عواطفه ومشاعره وانفعالاته, ونضع فيه المقدمات ووصف الرحلة الصحراء, وقسم آخر غيري يتحدث فيه الشاعر عن قبيلته وفاءً بهذا العقد الفني بينه وبينها، أو يعرض فيه للمدح أو الاعتذار.

أما المقدمات٤ فهي تارة طللية وهي الغالبة، تارة غزلية، وأخرى همزية، وهناك مقدمات فروسية، وأخرى في بكاء الشباب الضائع والحسرة على أيامه


١ دارسات في الشعر الجاهلي ٥٩.
٢ نفسه ٧٣.
٣ نفسه ١١٧.
٤ نفسه ١١٩-١٧٠.

<<  <   >  >>