للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخالية. وهناك مقدمات تدور حول زيارة طيف الحبيبة البعيد لصاحبها في أحلامه على نحو ما نرى في تأبط شرًّا "القافية".

ويمكن رد هذه الاتجاهات جميعًا في المقدمات إلى ثلاثة دوافع أساسية: المرأة, والخمر، والفروسية١. ويعلل الباحث٢ القسم الذاتي في القصيدة الجاهلية "المقدمة وما يتصل بها من حديث الصحراء" إنما هو محاولة لإثبات وجود الشاعر الجاهلي أمام مشكلة الفراغ في حياته، وهي مشكلة لم يجد لها حلًّا إلّا عن طريق هذه المتع التي لم يجد مكانًا للتعبير عنها في زحمة الالتزامات القبلية إلّا في مقدمات قصائده، ومن هنا كان طبيعيًّا أن تخلو قصائد الرثاء من هذه المقدمات؛ لأن مقامها ليس مقام لهو أو متعة، ولأن الموت الذي يتحدث عنه الشاعر قد وضع حلًّا نهائيًّا لمشكلة الفراغ التي كان يحاول بوسائله المختلفة أن يجد حلًّا لها، وهي سائل لم يعد للحديث عنها مكان في هذه القصائد.

ويحاول الدكتور خليف أن يدرس مقدمة الأطلال دراسة موضوعية وفنية، فيرى فيها أولًا كثرة في الظهور؛ لأنها وجدت هوى شديدًا في نفوس الشعراء الجاهليين لارتباطها ببيئتهم المادية, وطبيعة حياتهم الاجتماعية؛ إذ هي تعبير عن تلك الظاهرة الطبيعية في المجتمع البدوي، وظاهرة "الحركة" التي كانت نتيجة طبيعية للتفاعل الحتميّ بين البيئة والحياة٣, وقد استطاع شعراء المرحلة الفنية الأولى أن يرسوا دعائم هذه المقدمة، وأن يحققوا لها طائفة من مقوماتها وتقاليدها الفنية التي استقرت لها بعد ذلك، والتي أصبحت معالم ثابتة في طريق الشعر العربي القديم، ويهتدي بها الشعراء في سبيل تحقيق الصورة الكلاسيكية لأعمالهم الفنية, أي: إنهم حقَّقوا لها إطارها الشكلي ومضمونها الموضوعي٤.

وتتراءى قطعان الظباء والبقر الوحشي آمنة في مسارحها وكأنها البقية الباقية من مظاهر الحياة في هذه الأطلال الموحشة الصامتة، أو كأنها تجسيم حي للحسرة التي تملأ على الشاعر أرجاء نفسه، وهو يرى هذه الأطلال وقد خلت من صاحبته التي تعيش في أعماقه رمزًا للماضي السعيد الذي ذهب إلى غير رجعة٥.


١ دراسات في الشعر الجاهلي ١١٩.
٢ نفسه ١١٩-١٢٠.
٣ نفسه.
٤ نفسه ١٢٤.
٥ نفسه ١٢٧.

<<  <   >  >>