للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبز من وظائف التشبيه الدائري أحيانًا تحقيق الوحدة في القصيدة، وكان الإنسان الجاهلي في التشبيه الدائري يشق طريقه وسط متناقضات رهيبة تهدد حياته بالدمار في كل لحظة؛ ففي النماذج التي صورها الشاعر قد رفع هذه النماذج فوق صور البشر، وقربهم من صور الإلهية كما جسدتها العقلية الوثنية العربية.

والملاحظ أن الشاعر شغف كثيرًا بالجبل "يشبه الكتيبة المدافعة عن الثغر بجبل يلتف حوله رجال كثر"١ وثمة صور قليلة وردت في الشعر للقمر والليل والنهار والخريف والشتاء والربيع، حقًّا، كما يقول الباحث: "لقد كانت صور الطبيعة بالنسبة للشاعر متنفسًا جديدًا يتوصّل عن طريقه إلى أبسط المواقف الفكرية والشعورية من الوجود"٢.

اما "الثقافة" فكانت المجال الخامس من مجالات الحياة, ويتبنى الباحث مفهومًا للثقافة بأنها: "القاعدة الخلقية والفكرية التي يرتكز عليها أسلوب الفرد الاجتماعي"٣, ومن ذلك الكتابة التي عرفها الناس وشاعت في زمانهم القديم، وفيها استعادته أخبار السلف وبخاصة جوانب القصص الذي كان يشكل في خيال الناس قضية من قضاياهم المصيرية "قصة أحمد عاد أو ثمود" الذي كان أمثولة الشؤم عندهم". ومن ذلك أيضًا ما يشعرنا بزراعتهم وصناعتهم وألعاب الأطفال بالخذروف "ومقلالًا الوليد"، ومن عاداتهم الدية وتقاسم الماء عندما يقل بحصاة "حصارة القسم", وقرى الضيف وخرب الأيسار وتسنيح الطيور وإدخال الأيدي في عطر, فشم للتحالف وإيقاد النار للكرم أو للحرب ورفع اللواء في المعارك, ومنه الطقوس الدينية التي صورها زيارتهم للأماكن المقدسة وحلاقة رءوسهم، وتقديم الضحايا والقرابين لمعبوديهم. ومن مجالات التعامل بينهم التداين الذي شكّل عندهم قاعدة السلوك٤, ويخلص٥ إلى أن الصور الثقافية أعطت -على قلتها- فكرة وافية عن البنية الداخلية التي كانت تؤلف القاعدة لكل سلوك فردي واجتماعي في عصره.


١ ديوان زهير ١٠٧.
٢ الصورة ومجالات الحياة في شعر زهير ٣٢.
٣ نفسه ٣٢.
٤ نفسه ٣٣.
٥ نفسه ٣٤.

<<  <   >  >>