وحربًا، وتتجر فيما بينها، وتتحالف، وينصر بعضها بعضًا ضد الآخر.
وليت الأمر وقف عند هذا الحد, فقد كان لجيرانهم خارج الجزيرة أعداء يتربَّصون بهم, ويتحرشون بهم، ويوقعون بينهم، ويرسلون لطائمهم وقوافلهم التجارية، ويدفعون لتلك القبائل التي تحمي تلك اللطائم والقوافل أموالًا. وكان الشمال أقل نضجًا ووعيًا من الناحية السياسية من الجنوب، لذلك حكم ملوك كندة قبائل من الشمال، وعندما نضجت ووعت قتلت بعض أولئك الملوك.
وبالرغم من هذا العدد من الدراسات التي أوردتها إلّا أن أمورًا كثيرة ما زالت غامضة أو باهتة، تحتاج إلى مزيد من البحث لتوضيحها، ومنها علاقات مملكة الحيرة بالجزيرة العربية, وطبيعة دورها وأثرها في الحركة الشعرية في العصر الجاهلي، فنحن لا نملك إلّا نتفًا من الأخبار هنا وهناك، وهذه الأخبار إمَّا أن تكون الحقيقة ممتزجة بالخيال والمبالغة، وإما أن ينقض بعضها الآخر. وإذا كانت الحيرة لم تحتل أجزاء من الجزيرة, فكيف نفسر رهبة القبائل من سطوة ملوكها وتزلفهم لها, ومدحهم لملوكها على لسان الشعراء، فهذا التغلغل والنفوذ لا بُدَّ له من توضيح وتبرير. وما قلناه عن الحيرة ينطبق على الفرس، والغساسنة والروم, ولعل الدراسات غير العربية تجلو هذا بما لديها من مصادر غير عربية.
ومن تلك الأمور الغامضة طبيعة العلاقة بين مملكة كندة وقبائل العرب الشمالية وحروبها معها وقتلها بعض ملوكها.
ومنها أيضًا علاقة الحبشة بالجزيرة العربية, والتحالف مع اليمن أحيانًا، وهل لذلك علاقة بالدين, أم أن هناك احتمالات أخرى؟
ومنها أيضًا الحياة الدينية بصورة خاصة, ومعتقدات الجاهليين الأخرى بعامة، فقد كتبت في ذلك بعض الدراسات، ولكن الصورة ما زالت مشوشة، ولعل ذلك عائدة إلى تحرّج الرواة المسلمين مما يتعارض مع ما يؤمنون به.
ومنها ما يصيب الدراس منها حينما يشرع في قراءة قصيدة أو ديوان شعر، فيراه مزدحمًا بأماكن وأعلام لا تعني شيئًا لديه، وقد كانت مثيرة تنبض حياة لدى الشاعر، ونفتش فلا نجد ما يسعفنا إلّا معجم استعجم، ولكن الأماكن قد درس بعضها وتغيّر اسم بعضها الآخر, وثَمَّة محاولة كانت ناجحة لو أنها عممت، وهي محاولة ابن بليهد النجدي "صحيح الأخبار", فقد حاول أن يحدد أماكن وردت في