فأما إدغامها في الميم فلا بد من الغنة، إلا ما جاء عن عاصم وحمزة أن النون الساكنة والتنوين يدغمان عند الميم بغير غنة.
فحدثنا أبو داود، حدثنا أبو عمرو، حدثنا أبو مسلم, حدثنا ابن مجاهد قال: لا يقدر أحد أن يأتي بـ"عمن" بغير غنة؛ لغلبة غنة الميم، يعني: المنقلبة.
وحدثنا أبو القاسم قال: حدثنا أبو معشر، حدثنا أبو عبد الله الجرجاني، حدثنا الخزاعي قال: واتفقوا على إظهار الغنة عند الميم، واختُلف عن بعضهم، ولا ينطاع اللسان إلا بما عليه الجماعة.
قال أبو جعفر: الحكاية عن عاصم وحمزة ظاهرها الغلط، إلا أن توجه على أن المعنى: بغير غنة للنون والتنوين، وإنما الغنة للميم التي أُبدلا إليها بحق الإدغام، وذلك أن الخلاف بين أهل النظر في هذا الموضع موجود، فذهب ابن كيسان وابن المنادي وابن مجاهد في أحد قوليه إلى أن الغنة للنون والتنوين، وذهب الجمهور إلى أن الغنة للميم، وهو قول أبي -رضي الله عنه- وهو الصواب.
ولم تجئ النون ساكنة بعدها ميم في كلمة في القرآن، وقد جاء في الكلام، فما خِيف فيه الالتباس بالمضاعف أُظهر، وذلك أن تكون النون أصلا نحو: شاة زنماء، وغنم زنم، وما أمن فيه ذلك أدغم، وذلك أن تكون زائدة نحو: امحى، واهرمّع يهرمّع، والهرمّع؛ ولذلك قال سيبويه: لو بنيت "انفعل" من الوجل قلت: اوّجل، فهذا كله لا يلتبس بالمضاعف؛ لأنه ليس بالمضاعف هذه الأمثلة.
وأما {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}[النبأ: ١] ، و {مِمَّ خُلِقَ}[الطارق: ٥] فكلمتان، والأصل: عن ما، ومن ما، وكذلك ما كان نحوه، وحذفت الألف فرقا بين الاستفهام والخبر، ولم تثبت النون في الخط؛ لأنهم كتبوا المسموع فقط، وفي كتبهم كذلك عندي دلالة على أن الغنة للميم لا للنون، فتأمله.
وأما إدغامها في الراء واللام والواو والياء, فيجوز بغنة وبغير غنة.
واختلف القراء في ذلك، فروى خلف الإدغام في الواو والياء بغير غنة.