للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأوائل الذين تمرسوا بتفسير هوميرس ومنهم انكسماندر وستسمبرتس وغلوكس أو غلوكون. إن تفسير تلك الشخصيات الإغريقية الخرافية من أمثال هرقل وثيسيوس، على أنها رموز للفضيلة قد حاوله السفسطائيون وطوروه، واستغله الرواقيون المتأخرون إلى أبعد بهد، وكان من الطبيعي، بانتشار المسيحية، أن تطبق هذه الأساليب نفسها على الكتاب المقدس، الذي كان بعد هوميرس والأساطير، الموضوع الرئيسي للتفسير. وقد تمرس فيلون اليهودي بالترجمة الرمزية الأولى للعهد القديم. وبفضل دفاع القديس اوغسطين القوي عن هذه الطريقة، أصبحت الشخوص والقصص في التوراة، تدريجا، رموزا مقبولة لأنواع الفضائل الإنسانية والصراع الخلقي.

وفي القرن السادس ترجم فلغنتيوس " الانيادة " Aeneid على أنها رمز للنفس الإنسانية. وقد ظلت هذه الطريقة، متبعة في تفسير الأدب الديني والدنيوي طوال العصور الوسطى. وقد نسب غريغوريوس الكبير إلى الكتاب المقدس ثلاث طبقات من المعاني: المعنى الحرفي أو التاريخي، والرمزي أو النموذجي، والمجازي أو الأخلاقي. وزاد المتأخرون من علماء اللاهوت طبقة رابعة هي المعنى الباطني أو الصوفي. (وقد ادعى دانتي جميع هذه المعاني للمهزلة الإنسانية) . واستمر مرير التفسير الرمزي، دون أن يضعف، حتى نهاية عصر النهضة تقريبا، إذ نرى أن بترارك مثلا ما يزال يقرأ " الانيادة " على أنها خرافة أخلاقية ذات مغزى، وتاسو يفسر شعره الملحمي الرومانتيكي تفسيرا رمزيا، وسير جون هارنغتون يحاول في المقدمة التي كتبها لترجمته لكتاب اورلاندو فوريوزو (١) أن يقرب طبقات غريغوريوس الثلاث، إلى المفهوم الإنجليزي. وقد تلقى التفسير


(١) ملحمة رومانسية من نظم أريوستو لم يتقيد فيها ناظمها بقواعد الملحمة كما وصفها أرسطو طاليس فموضوعها غير تاريخي وحبكاتها متعددة.

<<  <  ج: ص:  >  >>