للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرمزي الأخلاقي جرحا رغيبا مميتا من بيكون حبن أشار في كتابه " تقدم العلم " The Advancement of Learning، إلى أن المؤلفات تكتب أولا ثم يضاف إليها المعنى عقب ذلك. ثم ألقى به جونسون في غيابة القبر حين بعث الحياة في النظرية الأرسطو طاليسية، التي ترى الفن محاكاة للطبيعة (١) ، ومن ثم تعده؟ نسبيا؟ غاية في ذاته.

وبطبيعة الحال استمر التفسير الرمزي على صور أخرى، وما زال استنباط المعاني المتعددة للنص الواحد ماثلا إلى يومنا هذا في نقد الكتاب المقدس وفي الدراسات الدانتية، وما إلى ذلك، وكن اعمل الرئيسي للنقد التفسيري اقتصر في أيامنا هذه على شرح ما استغلق من المعاني، وتقريبها إلى الإفهام. وقد زاول كل ناقد، منذ عصر النهضة، مثل هذا العمل إلى حد ما ولكن ليس هناك ناقد واحد وقف عليه جهده وتخلى بسببه عن نواحي أخرى من النشاط. وعندما ترجم دريدن آثار شوسر إلى إنجليزية عصره، محتجا بأن " الهدف الأول للأديب أن يكون مفهوما "، كان يتمرس بنوع من النقد زاوله ولسن فيما بعد، عند درسته لجويس على نحو أقل تشددا. وعندما جاء بلزاك بعد قرن ونصف القرن، ووقف أكثر من نصف دراسته المطولة عن " دير بارم " (٢)


(١) ما تزال فكرة المحاكاة التي جعلها أرسطو طاليس جوهر العمل الفني، موضوع خصومة بين النقاد. وقد أساء بعضهم وذهبوا في تأويلها مذاهب شتى لم تخطر لأرسطو طاليس على بال. فأرسطو طاليس لم يقصد بالمحاكاة المعنى الحرفي لها، أي تقليد الطبيعة ونسخها، بل أراد إعادة إخراجها على صورة جديدة تكشف عن تأثر المتفنن بها. ولم يقصد بالطبيعة، الطبيعة الجامدة فحسب كما يظن بعض النقاد اليوم، بل توسع في معناها فجعلها تشمل الواقع الإنساني والنفس الإنسانية إلى جانب مشاهد الطبيعة بمعناها الشائع.
(٢) قصة للكتاب الفرنسي ستندل، كتبها سنة ١٨٣٠ وترجمها للعربية الأستاذ عبد الحميد الدواخلي في سلسلة " الكاتب المصري ". وقد تحمس لها بلزاك وكتب عنها دراسة طويلة نادى به فيها أستاذا من أساتذة الفن القصصي، وكان بهاذ يتحدى آراء معاصريه أمثال هوغو وديفيني وميريمي الذين كان رأيهم في الكاتب غير حميد.

<<  <  ج: ص:  >  >>