للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأعلاه في الفضل شرفا، وأصحه في الرؤية حزما وأسلمه عند العامة مصدرا، ما نيل بسلامة الجنود وحسن الحيلة ولطف المكيدة " (١) ويقول في الموضع الثاني " اعلم أن أحسن مكيدتك أثرا في العامة وأبعدها صوتا في حسن القالة ما نلت الظفر فيه بحسن الروية وحزم التدبير ولطف الحيلة " (٢) .

وإذا كانت نصيحة ارسطاطاليس في باب المكايد نوعين أولهما: " أدخل المكايد على عسكر عدوك بإفساد مياههم وبإلقاء البذور التي تهلك الدواب في مروجهم " (٣) وثانيهما " كاتب أشد قواد عدوك بأسا وأوفرهم نصيحة لعدوك لتوقع وهما في قلب عدوك على صاحبه الناصح له، واعمل على أن يقع كتابك بيد حراس عدوك " (٤) ، اختار عبد الحميد المكيدة الثانية وأهمل الأولى لأنها لا تتفق مع عقيدة الدينية، فقلب في ذلك: " وكاتب رؤساءهم وقادتهم وعدهم المنالات ومنهم الولايات وسوغهم التراث، وضع عنهم الإحن، واقطع أعناقهم بالمطامع، واستدعهم بالمثاوب، واملأ قلوبهم بالترهيب، أن أمكنتك منهم الدوائر وأصارتهم إليك الرواجح، وادعهم إلى الوثوب بصاحبهم أو اعتزاله إن لم يكن لهم بالوثوب عليه طاقة، ولا عليك أن تطرح إلى بعضهم كتبا كأنها جوابات كتب اليهم، وتكتب عل ألسنتهم كتبا تدفعها إليهم، وتحمل بها صاحبهم عليهم وتنزلهم عنده منزلة التهمة ومحل الظنة؟ " (٥) .

ومن الطريف أن هذا المبدأ الذي تتضمنه الرسائل المنحولة لأرسطاطاليس قد ورد أيضاً في نصوص سياسية منحولة لأفلاطون، فلدينا ثلاثة عهود يقال إنها مستخرجة من رموز كتاب السياسة لأفلاطون من تأليف أحمد بن يوسف المشهور بابن الداية (حوالي ٣٤٠/٩٥١) وقد جاء في العهد الأول منها: " وينبغي أن تسلك في مجاهدة من أعرق في الرياسة واضطلع بتدبير المدن أن قصدك غير هذا المسلك من بث الجواسيس في عسكره وإظهار الكتاب على ألسنة خواصه بطلب الأمان منك، وتضمنها ما صح عندك من


(١) رسائل البلغاء: ١٨٩.
(٢) رسائل البلغاء: ٢٠٩.
(٣) السعادة والإسعاد: ٣٣٣ وسر الأسرار: ١٥٠ ومخطوطة كوبريلي: ٨٨.
(٤) السعادة والإسعاد: ٣٣٤.
(٥) رسائل البلغاء: ٢٠٩.

<<  <   >  >>