للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فمبدأ تجنب القتال؟ ما كان إلى ذلك سبيل - أمر نجده أيضا عند الفرس، إذ ينقل ابن قتيبة عن الآيين: " ولا يحاربن جندا إلا على اشد الضرورة، وعلى حال لا يوجد معها من المحاربة بد " (١) ثم ينقل المؤلف نفسه نصيحة بهذا المعنى عن كتاب للهند " الحازم يكره القتال ما وجد بدا، لأن النفقة فيه من الأنفس، والنفقة في غيره من المال " (٢) . أما طرح الحسك في المواضع التي يتخوف فيها البيات فإنه يكاد يكون خطة عامة (٣) ، وقد نجد عبد الحميد يقول: " ثم ول على كل مائة رجل منهم رجلا من أهل خاصتك " (٤) ، ونجد سابور يقول لابنه هرمز " اجعل على كل مائة رئيسا " (٥) ، ثم لا يكون هذا التشابه إلا تعبيرا عن قاعدة حربية أصبحت عامة لا يتميز فيها الفرس عن العرب ولا يستقل فيها هؤلاء دون اليونان، ولهذا فإن ميزة رسالة عبد الحميد ليست في هذه المشابه بمقدار ما هي في قدرته على توجيه القواعد العسكرية بحيث تلائم جيشا إسلاميا يحارب جيشا آخر، يعتقد أصحاب الأمر أن الجند فيه من الخوارج " المتسمين باسم الإسلام "، ولهذا لن نجد عند عبد الحميد حديثا عن مدى متابعة العدو عند الهزيمة أو حديثا عن الغنائم أو ما أشبه ذلك. ولكن مهما يكن من شيء فإن ميل عبد الحميد إلى التفنن والأصالة لم يستطع أن يحجب مقدار حركته في الإطار الثقافي الموجود لدى الفرس واليونانيين.


(١) عيون الأخبار ١: ١١٣.
(٢) عيون الأخبار ١: ١١٢ وهذا القول في كليلة ودمنة: ١٥٦ (وقارن بما ورد ص: ٨٤) وفي وصايا أسطاليس، انظر السعادة والإسعاد:٣٢٥.
(٣) عيون الأخبار ١: ١١٣.
(٤) رسائل البلغاء: ٢٠٧، وهذا المثل نفسه قد جعل الدكتور طه حسين يستدل على ان عبد الحميد كان متأثرا لا باليونانية وحدها بل بما كان مألوفا عند اليونان لأن الوحدة الصغرى في الجيش البيزنطي كانت تتألف من مائة (من حديث الشعر والنثر: ٤٥ - ٤٦) .
(٥) السعادة والإسعاد: ٣٣١.

<<  <   >  >>