للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

٢ - النموذج الثاني؟ وهو أقرب إلى جو الأدب من النموذج السابق - مستمد من موقف المفكرين عند تابوت الاسكندر، فهناك رواية تقول؟ وليس هنا موطن البحث في قيمتها التاريخية - إن الأسكندر توفي في أرض العراق ثم نقل إلى الإسكندرية ليدفن فيها، وقد تجمع عدد من الفلاسفة والحكماء عند قبره، وقال كل منهم قولة في تأبينه إذ طلب إليهم عظيمهم أن يقول كل واحد منهم قولا " يكون للخاصة معزيا وللعامة واعظا " (١) .

وقبل أن أتحدث عن قوة هذا الأنموذج وما أثاره لا بد من وقفة عند هذه الأقوال نفسها، فهي؟ فيما يبدو - قد ترجمت في دور مبكر، تم ذلك قبل عهد حنين بن اسحاق، وربما أمكن نسبتها إلى أيام سالم وجهوده هو ومن حوله في الترجمة. وتثير هذه الأقوال عددا من الأسئلة حولها، وفي مقدمة هذه الأسئلة: كم كان عددها عندما ترجمت أول مرة؟ إنه لم يتح لي الإطلاع على نوادر الفلاسفة لحنين، ولكن اليعقوبي لا يورد منها إلا تسعة، ثم نجدها عند سعيد بن البطريق اثنين وثلاثين، وعلى نحو مقارب عند المسعودي والثعالبي، ومع أن المبشر بن فاتك يورد منها أربعة عشر، فإنه يوضح أنه لم يوردها جميعا: " وقال جماعات أخر من الناس من الحكمة والموعظة مثل ما قال هؤلاء، وحذفته اختصارا، وقد أوردته وباقي أخباره في تاريخي الكبير مستوفى على تمامه " (٢) .

وهناك نصان يعتمدان أصلا واحدا هو " صوان الحكمة "، الذي يقترن باسم المنطقي وهما منتخب منه، ومختصر له، وعدد هذه الأقوال في المنتخب خمسة، وفي المختصر ثلاثة وعشرون، وقد يقال إن صانع المنتخب حذف ما شاء على أساس الانتقاء، ولكن التوحيدي وهو تلميذ أبي سليمان وصاحبه المرافق له في فترة غير قصيرة من حياته يقول ان الحكماء الذين تحدثوا حول تابوت الاسكندر كانوا عشرة (٣) ، فهل قيد التوحيدي هذا


(١) مروج الذهب ٢: ١٠ - ١٢، واجتماع عدد من الفلاسفة وتبادلهم الأقوال في موضع ما، شائع فيما نقل من صور الفكر اليوناني، انظر مثلا مخطوطة كوبريللي: ١٦ حيث يذكر أن سبعة من الحكماء اجتمعوا في بيت الذهب فقالوا نريد أن نذكر أشياء من الحكمة؟ الخ.
(٢) مختار الحكم: ٢٤١.
(٣) أبو شجاع: ذيل تجارب الأمم، ٧٥نقلا عن كتاب الزلفة لأبي حيان.

<<  <   >  >>