للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقوله (١) :

كما خامرت في حضنها أم عامر ... لدى الحبل حتى عال أوس عيالها وقوله في الرخمة؟ ونفى عنها الحمق ونسبها إلى الكيس (٢) :

وذات اسمين والأسماء شتى ... تحمق وهي كيسة الحويل

لها خب تلوذ به وليست ... بضائعه الجنين ولا مذول ومثل هذا كثير في شعره وهو يشير إلى بداية الوعي بقيمة الخرافات الحيوانية، والتنبيه لا لاستعمالها في الشعر وحسب، بل اعتمادها في المواقف المختلفة.

ويبدو أن الحكم من نثر إلى شعر يتم على نطاق واسع، وأول الشواهد عليه انتثار عدد كبير من الأقوال الحكمية المنظومة التي بقيت في المصادر دون نسبة، وإن كان الظن قويا بأن القسم الأكبر منها قد ألحق بشعراء عرفوا بهذا الاتجاه، وكانوا كثيري العدد في هذه الفترة التي أتحدث عنها.

وهذا يسلمنا إلى الحديث عن التيار الثالث، وهو تيار أشبه شيء بالانتحال وليس به، ويمكن أن نسميه تضمينا أو اقتباسا، للحكم الأجنبية، عن طريق الغوص العامد في الثقافات الأجنبية، وشدة الإعجاب بها، ولعل في صلة أبي عمرو كلثوم بن عمرو العتابي بالفارسية ما يصلح أن يتخذ نموذجا لغيره، وخلاصة قصته أن رجلا اسمه يحيى بن الحسن دعا غلاما له وكلمه بالفارسية، ودخل العتابي فسمع ما يتحدثان به فكلم يحيى بالفارسية، فقال له: أبا عمرو، ما لك وهذه الرطانة؟! فقال: بلدكم هذه ثلاث قدمات، وكتبت كتب العجم التي في الخزانة بمرو، ثم قدمت نيسابور وجزتها بعشرة فراسخ إلى قرية يقال لها ذودر فذكرت كتابا لم أقض حاجتي منه، فرجعت إلى مرو فأقمت شهرا، فقال له يحيى: لم كتبت كتب العجم؟ فقال العتابي: وهل المعاني إلا في كتب العجم والبلاغة، اللغة لنا والمعاني لهم (٣) . فإذا عرفنا بعد ذلك أن العتابي أفرد فنون الحكم


(١) الدرة الفاخرة: ١٥٢.
(٢) الدرة الفاخرة: ١٥٤ والحيوان ٧: ١٨.
(٣) كتاب بغداد: ٨٧.

<<  <   >  >>