للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بالتأليف (١) ، وانه انتحى في شعره منحى في شعره منحى الحكمة، لم نستغرب ذلك.

ويكاد يكون من الأمور المسلمة أن اللقاء بتلك الثقافات الأجنبية، بالإضافة إلى عوامل أخرى كالموجة الزهدية والحركة الاعتزالية والأوضاع الاقتصادية العامة وغيرها، هو الذي خلق طبقة من الشعراء الحكماء من أمثال سابق البربري وصالح بن عبد القدوس ومحمد بن حازم الباهلي وصالح بن جناح ومحمود الوراق والعتابي وأبي العتاهية: ويتميز هؤلاء الشعراء بنوع من الحكمة اللسانية التي تدعو نظريا إلى قيم أخلاقية، ربما لم يتقيد أحد منهم بها سلوكه العملي. وأكبر الظن أن هذه الحكمة التي عرفوا بها لا تعدو أن تكون في معظمها تضمينا للقواعد الأخلاقية المأخوذة عن اليونانيين والفرس والعربي، مما يتصل بآداب السلوك والمعاملة والنظرة إلى شؤون الحياة عامة.

ولعل الأرجوزة " ذات الأمثال " لأبي العتاهية؟ إن لم تكن نقلا مباشرا مما ينتسب إلى التيار الأول - إنما كانت من هذا القبيل (٢) ، ويقال إنها كانت تضم أربعة آلاف مثل، بقي منها ٦٢٠ شطرا وليس بين الحكم المجموعة فيها اتصال في كثير من الأحيان، بل كثيرا ما يقترن في شطرين متجاورين حكمتان لا رابطة بينهما، كما أن الحكم المتصلة بموضوع واحد، كالدنيا والموت، تجيء في مواضع متفرقة، دون أن تسلم من التكرار في المعاني، وعلى رغم طغيان النغم الزهدي على الأرجوزة فإن فيها ميلا واضحا إلى إبراز دور " العقل " وقيمته. وأحيانا يستوقف القارئ مثل قوله (٣) :

لكل شيء معدن وجوهر ... وأوسط وأصغر وأكبر

وكل شيء لاحق بجوهره ... أصغره متصل بأكبره أو قوله (٤) :

نتائج الأحوال من لا ونعم ... والنفس من بين صموت وعدم


(١) الفهرست: ١٢١.
(٢) ديوان أبي العتاهية: ٤٤٤ - ٤٦٦.
(٣) ديوانه: ٤٤٩.
(٤) ديوانه: ٤٥٦.

<<  <   >  >>