للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فإن مثل هذه الإشارات الموجزة ذات المنحى الغامض؟ بسبب إيجازها - لا تمكننا من الاهتداء إلى منتماها وأصلها، وإن كانت تبدو غربية في سياق زهدي يتوسل كثيرا بالقيم الدينية.

وقد مرن أبو العتاهية؟ وغيره من شعراء الحكمة في عصره - على تكوين القصيدة الحكمية من عدد من الحكم التي تقوم بينها رابطة أو يضبطها تدرج، حتى أصبحت القصيدة تمثل قفزات متباعدة، وكان في ذلك اكبر جور على الوحدة النفسية أو الشعرية في القصيدة العربية آنئذ. وهذه مقطوعة نجدها في ديوان أبي نواس، وهو من هو قدرة على حوك القصيدة في استرسال مترابط، إلا أنها أبيات مرسلة، كل بيت منها يقوم وحده (١) :

عدوك ذو العقل خير من الصديق لك الوامق الأحمق ...

وما ساس أمرا كذي شيبة ... بصير بما ساس مستوثق

وما أحكم الرأي مثل امرئ ... يقيس بما قد مضى ما بقي

وصمتك من غير عي اللسان ... أزين من هذر المنطق فالبيت الأول صياغة للحكمة القائلة: " عدو عاقل خير من صديق جاهل (أحمق) ، والثاني ترجمة لقولهم " رأي الشيخ خير من مشهد الغلام " والثالث يشير إلى الاعتبار بما مضى في الحكم على ما هو حاصل، والأخير في فضيلة الصمت دون عي.

ترى أكانت قصيدة الحكمة؟ في هذا التفكك - تنظر إلى موروث سابق؟، من الغريب أننا إذا عدنا إلى العصر الجاهلي، وجدنا أبيات الحكمة في معلقة زهير، والقصيدة الدالية المنسوبة لعدي بن زيد (٢) ، ووصية يزيد بن الحكم لابنه (٣) ، وما أشبه ذلك، تجري على هذا المنوال أيضا، وأننا إذا قارناها بالحكم والوصايا المأثورة عن


(١) ديوان أبي نواس: ٢٠٣ - ٢٠٤.
(٢) ديوان عدي بن زيد: ١٠٢ - ١٠٩ (حققه وجمعه محمد جبار المعيبد، بغداد ١٩٦٥) .
(٣) انظرها في الحماسة (رقم: ٤٤٥ ص: ١١٩٠ من شرح المرزوقي) .

<<  <   >  >>