للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حكماء الجاهلية، وجدنا أن تلك الحكم والوصايا أشبه شيء بخطرات فكرية لا يربطها سلك واحد، سوى كونها كلها تذهب مذهب القواعد الخلقية، ولكن الموقف؟ وخاصة في الشعر - يتطلب تدقيقا، وربما كانت القصيدة التالية تصور ما أذهب إليه:

إن كنت لا ترهيب ذمي لما ... تعرف من صفحي عن الجاهل

فأخش سكوتي إذا أنا منصت ... فيك لمسموع خنا القائل

فالسامع الذم شريك له ... ومعظم المأكول كالآكل

مقالة السوء إلى أهلها ... أسرع من منحدر سائل

ومن دعا الناس إلى ذمه ... ذموه بالحق وبالباطل فهذه القطعة؟ وإن لم تكن مبنية على حكم مفككة، بل جاءت متدرجة في سياقها - تنسب لكعب بن زهير (١) ، ثم هي أيضا تنسب لمحمد بن حازم الباهلي (٢) ، وقد لحظ ابن هندو أن قوله فيها " فالسامع الذم شريك له " يشبه قول أفلاطون " المصغي إلى الذم شريك لقائله " (٣) ، وقد استغل هذا المعنى نفسه محمود الوراق فقال (٤) :

فإنك عند استماع القبيح ... شريك لقائله فانتبه وقد أورد البكري البيت دون نسبة، على نحو غريب (٥) :

وشاهد الهاجي شريك له ... ومطعم الخنزير كالآكل وكل الدلائل تشير إلى أن القطعة وليدة ذلك الجو الحكمي في عصر متأخر كثير عن عصر كعب، وحين تختلط الرواية على هذا النحو، ولا يميز بين شعر كعب وشعر


(١) ديوان كعب: ١٢٤ والعقد ٢: ٤٤٤ وبهجة المجالس ١: ٤٠٠ - ٤٠١.
(٢) انظر فصل المقال: ١٠٥ الحاشية رقم: ٢.
(٣) الكلم الروحانية: ١٢ وانظر مختار الحكم: ١٦٠ حيث ورد " المصغي إلى القول " وكذلك لباب الآداب: ٤٥٣.
(٤) بهجة المجالس ١: ٤٠١ وديوان الوراق: ١٣٢.
(٥) فصل المقال: ١٠٥.

<<  <   >  >>