محمد بن حازم، فليس من المستبعد أن تكون عملية مماثلة قد تمت في أبيات زهير الحكمية، فأضيفت إلى المعلقة وهي واضحة في مغايرتها لها، وحملت على عدي بن زيد قصيدته الدالية، ونحلت لغيره أشعار من هذا القبيل، وكان كل ذلك من نتاج جو الحكمة الذي زادته الترجمة لحكم الأمم الأخرى اتساعا وكثافة.
وفي نقل الحكم المنثورة إلى شعر، لا يمكن أن يطمئن المرء إلى قول حاسم في أن هذه الحكمة أو تلك مأخوذة عن أصل يوناني. فالعصر الذي أتحدث عنه قد أتسع صدرا لأنواع من الحكم نقلت عن أمم مختلفة، وقد تنسب الحكمة الواحدة حينا إلى الفرس وحينا إلى اليونان وتارة إلى الهند، ثم تجدها ذات أصول راسخة في البيئة العربية منذ عهود قديمة، وهذه الحكمة التالية التي أعتقد أنها منظومة عن أصل نثري، ترد على هذا النحو (١) :
وقد يرجى لجرح السيف برء ... وجرح الدهر ما جرح اللسان ومرة أخرى تجيء كالآتي:
جراحات السنان لها التئام ... ولا يلتام ما جرح اللسان وتروى على نحو آخر:
وجرح السيف تدمله فيبرا ... وجرح الدهر ما جرح اللسان وتتصل هذه الحكمة بقول امرئ القيس:
إذا المرء لم يخزن عليه لسانه ... فليس على شيء سواه بخزان ووضعها الاخطل في صورة أخرى حين قال:
والقول ينفذ ما لا تنفذ الإبر ...
(١) فصل المقال: ٢٤، ونظر الرواية الأولى في العقد ٢: ٤٤٥ ونسب البيت ليعقوب الحمدوني.