للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثم نجدها نجدها في الأدب الكبير، الذي يفترض أنه مترجم عن الفارسية " جرح اللسان أشد من جرح اليد " (١) ، وترد كذلك في الحكم المنقولة عن اليونان (٢) .

وها هنا أمر لابد من التوقف عنده، وهو أن العرب كانوا مشاركين في حضارة الشرق؟ قبل الإسلام وبعده - وأنهم أيضا عرفوا الحكمة اليونانية قبل عصر الترجمة بزمن طويل، مثلهم في ذلك مثل الفرس، الذين عرفوا شيئا كثيرا من الحكمة اليونانية منذ عهد الإسكندر، وربما قبل ذلك. وخير شاهد على ذلك كتاب الأدب الكبير، فإنه في شكله الذي نعرفه يمثل الحكمة الفارسية، وقد صرح أبو الحسن العامري أنه ذو صلة بكتاب " أفستا " في الحث على مكارم الأخلاق حين قال: " ولعمري أن للمجوس كتابا يعرف بأبستا وهو يأمر بمكارم الأخلاق ويوصي بها، وقد أتى بمجامعها عبد الله بن المقفع في كتابة المعروف بالأدب الكبير " (٣) ، ومع ذلك فإن اللقاء بين هذا الكتاب وبين ما جاء في الحكم المنقولة عن اليونانيين أمر لافت للنظر، وهو يبين مدى التماثل بين كثير من الحكم الفارسية وما نقله العرب من حكمة يونان. ولأقدم هنا بعض الأمثلة الموضحة:

١ - في الأدب الكبير: لا تتركن مباشرة جسيم أمرك فيعود شأنك صغيرا، ولا تلزم نفسك مباشر الصغير فيصير الكبير ضائعا (٤) .

وفي رسالة منسوبة إلى أرسطاطاليس بعث بها إلى الإسكندر: وإنما الأمور كلها أمران صغير لا ينبغي أن تباشر وكبير [لا] ينبغي أن تكله إلى غيرك، ومتى باشرت صغار الأمور شغلتك عن كبارها، وأن وكلت كبارها إلى غيرك أضعت أكثر مما حفظت وأفسدت اكثر مما أصلحت " (٥) .


(١) رسائل البلغاء: ١٠٥ وانظر عيون الأخبار ٢: ٢٢ حيث ينقل عن كتاب للهند، وهو في أغلب الأحوال كليلة ودمنة، وفي هذا الأخير: ١٦٤ جرح اللسان لا يندمل.
(٢) في الأقوال المناندرية: السيف يجرح الجسد والكلام يجرح النفس (أولمان رقم: ٢٢٠ ص: ٤٤) .
(٣) الأعلام بمناقب الإسلام: ١٥٩ - ١٦٠.
(٤) رسائل البلغاء: ٤٧.
(٥) شيخو: مقالات فلسفية قديمة: ٤٠.

<<  <   >  >>