للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الناس أو تلاه، يذكر فيه الخير والأمور المحمودة المحروص عليها ويمدح بها مدبر والمدن، وكان الموسيقاريون يغنون بها بين يدي الملوك، فإذا مات الملك زادوا في أجزائها نغمات أخرى وناحوا بها على أولئك الملوك.

وفي تعريف ديثرمبي قال: نوع من الشعر له وزن ضعف وزن طراغوذيا يذكر فيه الخير والأخلاق الكلية المحمودة والفضائل الانستنية، ولا يقصد به مدح ملك معلوم ولا إنسان معلوم لكن تذكر فيه الخيرات الكلية؟ وأما أيامبو فهو نوع من الشعر له وزن معلوم تذكر فيه الأقاويل المشهورة سواء كانت تلك من الخيرات أو الشرور، بعد أن كانت مشهورة مثل الأمثال المضروبة. وكان يستعمل هذا النوع من الشعر في الجدال والحروب وعند الغضب والضجر (١) .

وقد خلص الفارابي من دراسته هذه إلى أن ما شعر به أهل اللسان العربي من القوانين الشعرية بالإضافة إلى ما جاء في كتاب الشعر لأرسطو وفي كتاب الخطابة له أيضا إنما هو نزو يسير (٢) ، وإذا كان هذا في ظاهره حكما على عدم اتساع النظرية النقدية عند العرب، فلا بد أن يكون حكما غير مباشر على الشعر نفسه، فقد ذهب الفارابي، وتابعه ابن رشد؟ من تصورهما الخاص لمعنى قيام الشعر اليوناني على الخير والتحبيب به ودفع الشر والتنفير منه - إلى أن الشعر العربي في أكثره منغمس في النهم والكرية (٣) وزاد ابن رشد قوله: وذلك أن النوع الذي يسمونه النسيب إنما هو حث على الفسوق، ولذلك ينبغي أن يجنبه الولدان، ويؤذبون من أشعارهم بما يحث فيه على الشجاعة والكرم، فإنه ليس تحث العرب في أشعارها من الفضائل على شيء سوى هاتين الفضيلتين، وإن كانت ليس تتكلم فيهما على طريق الحث عليهما وإنما تتكلم فيهما على طريق الفخر (٤) . وقال في موضع آخر: ولكون أشعار العرب خلية من مدائح الأفعال الفاضلة وذم النقائض أنحي الكتاب العزيز عليهم (٥) .


(١) انظر المصدر السابق: ١٥٣ - ١٥٤.
(٢) ابن رشد: تلخيص كتاب ارسطاطاليس في الشعر (ضمن: فن الشعر) : ٢٥٠، وتلخيص (سالم) :١٦٣.
(٣) تلخيص ابن رشد: ٢٥٠ و (سالم) : ٦٧.
(٤) المصدر السابق.
(٥) تلخيص ابن رشد: ٢٢٩ و (سالم) : ١٢٣.

<<  <   >  >>