للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

في التخيل (١) "، وقد تقدم رأى الفارابي في هذا الموضوع، وهو حتما أدق مما قاله الشهرستاني.

وقد أصبح ما أورده ابن سينا في كتاب " الشفاء " عن الشعر والخطابة أهم مرجع للدارسين الذين يعنون بالثقافة اليونانية. فعلى ذلك الكتاب اتكأ صاحب لابن الأثير (٦٣٧/١٢٣٩) وهو يحاوره في شؤون النقد والبلاغة، واستنتج ابن الأثير حين أطلع عليه أن كل الذي ذكره ابن سينا " لغو لا يستفيد به صاحب الكلام العربي شيئا يقول ابن الأثير: " ولقد فاوضني بعض المتفلسفين في هذا، وانساق الكلام إلى شيء ذكر لأبي علي ابن سينا في الخطابة والشعر، وذكر ضؤوبا من ضروب الشعر اليوناني يسمى اللاغوذيا (لعلها: طراغوذيا) وقام فأحضر كتاب الشفاء لأبي علي، ووقفني على بعض ما ذكره، فلما وقفت عليه استجهلته، فإنه طول وعرض، كأنه يخاطب بعض اليونان، وكل الذي ذكره لغو لا يستفيد به صاحب الكلام العربي شيئا (٢) ".

وواضح أن ابن الأثير لم يدرك أن أبن سينا يعرض كتابا يونانيا أو كتابين يونانيين وأنه لا ينشىء قولا في الشعر من عند نفسه، ثم إنه جمع بين الخطأ والصواب في جملة واحدة حين قال: " لغو لا يستفيد به صاحب الكلام العربي شيئا " فهو ليس لغوا، ولكن صاحب الكلام العربي لا يستطيع حقا الإفادة منه لأنه لم يكن لديه ذلك النوع من الشعر المسمى " طراغوذيا ". غير أن ابن الأثير أساء فهم ما قرأه من وجه آخر، فهو قد ظن أن الإنشاء الشعري يقوم على نحو منطقي من متقدمين ونتيجة، وأعاد إلى الذهن ذلك الصراع القديم بين الشعر والمنطق حسبما أوجزه البحتري في قوله:

كلفتمونا حدود منطقكم ... الشعر يغني عن صدقه كذبه ولهذا نجده يقول: " بل أقول شيئا آخر وهو أن اليونان أنفسهم لما نظموه


(١) الملل والنحل ٢: ١٥٣.
(٢) ابن الأثير: المثل السائر ١: ٣١١ - ٣١٢.

<<  <   >  >>