للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بالتقديم والتأخير وحفظ الوزان في التقدير دون تعديد الحروف ألقابا يشيرون بها إلى الوزن المفروض (١) "، والبيت الشعري عند الهنود يتكون كما في العربية من شطرين، يسمى كل واحد منهما رجلا " وهكذا يسميها اليونانيون أرجلا (٢) "، ويثني البيروني من ثم على الخليل بن أحمد لأنه كان موفقا في الاقتضابات، ولكنه لا يستبعد أن يكون الخليل قد سمع عما لدى الهند من موازين شعرية، كما ظن به عض الناس (٣) . وصلة الخليل بالثقافات الأجنبية؟ سواء أكانت هندية أو يونانية - موضوع تحوم حول الظنون، ولم يكن البيروني منفردا في الإشارة إليه. ولعل الأسطورة التي رواها الزبيدي إنما هي تعبير غير مباشر عن الظن في أنه كان يعرف اليونانية، فقد قال الزبيدي: " ويروى أن ملك اليونانية كتب إلى الخليل بن أحمد كتابا باليونانية، فخلا بالكتاب شهرا حتى فهمه، فقيل له في ذلك، فقال: قلت إنه لا بد من أن يفتتح الكتاب ببسم الله أو ما أشبهه، فبنيت أول حروفه على ذلك، فاقتاس لي (٤) ". ولما تحدث شمس الدين محمد بن ابراهيم بن ساعد الانصاري أستاذ الصفدي عن عروض الشعر اليوناني، قدر أن الخليل ربما وصل إلى علمه شيء من عروض يونان (٥) .

وبعد اليروني وابن بطلان قل أن نجد رغبة أصيلة في الكشف عن منابع جديدة في أدب يونان، فإذا التقينا دارسا مخلصا للمعرفة كالشهرستاني (٥٤٨/١١٥٣) وجدناه يتكىء على مصادر القرنين السابقين، وليس الحديث عن الشعر اليوناني عنده إلا مكملا للصورة العامة التي يريد رسمها للفكر اليوناني، وقد أصاب الشهرستاني حين ذكر أن وجود الشعر في أمة يونان كان قبل الفلسفة (٦) ، ولكنه خالف كل من تقدمه في قوله إن الشعر اليوناني لا يعتمد على وزن، وأن الوزن ليس ركنا في الشعر عندهم " بل الركن في الشعر إيراد المقدمات المخيلة فحسب، ثم قد يكون الوزن والقافية معينين


(١) المصدر السابق: ٦٧.
(٢) المصدر السابق: ٦٨.
(٣) المصدر السابق: ٧١.
(٤) الزبيدي: طبقات النحويين واللغويين: ٥١.
(٥) الصفدي: الغيث المسجم ١: ٣٠.
(٦) الملل والنحل ٢: ١٦٧ وهذا ليس رأيا أصيلا له، وانما يتابع فيه أبا سليمان المنطقي، انظر منتخب صوان الحكمة: ١١ والصوان (طهران) : ٥٩٢.

<<  <   >  >>