للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وحين يعلق عليه المنطقي؟ ويتابعه في ذلك الشهرستاني - بقوله " وفي هذا كفاية لمن تأمل ريع هذه الكلمة واحتواها على معان جليلة جعلها كل من تكلم في التوحيد من الفلاسفة والمتكلمين بعده قدوة وعمدة فيما أثبتوه من ذلك " (١) نعلم أن المعنى اتخذ في خدمة غرض غير الذي وضع له، ومن الطبيعي تبعا لهذا المنهج طمس أكثر الدلالات الوثنية عند نقل الأشعار اليونانية، وربما لم يبق من هذه الدلالات إلا إثارة باهتة هنا وهنالك، كما في هذا القول المنسوب إلى أوميرس: " إن المغلوب من قاتل الله البخت (٢) ".

وقد كان من أثر النظر إلى الشعراء اليونانيين والشعر اليوناني من خلال منظار الحكمة، نشوء تصورات خاصة بالشعراء أنفسهم، فليس شعرهم في معظمه حثا على الفضائل وحسب، وإنما هم أنفسهم أيضا ذوو منهج سلوكي خاص، فهم يترفعون عن الإسعاف في المهاترة، ويوجهون الأقوال اللاذعة عن طريق التلميح والتمثيل، وهذا هو معنى قول ابن بطلان: " بلغنا عن شعراء اليونانيين أنهم كانوا إذا راموا في الهجاء إمضاء عزيمة القوة الغضبية لم يخرجوا بذلك عن تدبير الناطقة (٣) ".

ثم إن اتقان البيروني للغة السنكريتية منحه بعدا جديدا في النظر، فهو شغوف بإجراء المقارنات بين الهنود واليونان والعرب، كلما وجد إلى ذلك سبيلا، غير أنه لم يتحدث عن قواعد الشعر أو أصول البلاغة عند الهنود وإنما وقف وقفة طويلة عند علم العروض، لأهمية هذا العلم عندهم، إذ يجعلون كتبهم في سائر العلوم منظومة حتى يسهل استظهارها (٤) ، وكما عمل العرب " من الأفاعيل قوالب لأبنية الشعر وأرقاما للمحرك منها والساكن يعبرون بها عن الموزون، فكذلك سمى الهند لما تركب من الخفيف والثقيل


(١) منتخب صوان الحكمة، الورقة: ٧١ وصوان الحكمة (طهران) : ١٩٣ والشهرستاني، الملل والنحل ٢: ١٦٤ - ١٦٥.
(٢) الملل والنحل ٢: ١٦٦ والكلم الروحانية: ٣٩ وانظر كريمر: ٣٠٩
و M. Uimann: Die Arabische Uberlieferung der Sogenannten Menander - sentenzen، Wiesbaden (١٩٦١) No ١٦٨، P. ٣٧.
(ويشار إليه باسم: أولمان أو الأقوال المناندرية فيما بعد) .
(٣) خمس رسائل لابن بطلان وابن رضوان: ٦٢.
(٤) تحقيق ما للهند: ٦٥ - ٦٦ وانظر ص: ٧٢ - ٧٣ حيث يشير الى أن اليونانيين كانوا يذهبون مذهب الهند في نظم العلوم.

<<  <   >  >>