للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولكن هذا لم يكن شيئا عاما. وليسمن شك عندي في أن ما نسبه حنين إلى أوميرس وجده منسوبا كذلك، وأن اصطفن كان أمينا في ترجمته، وان الاضطراب يعود أولا إلى المصادر التي اعتمدا عليها، فقد كان من عادة النساخ إذا رتبوا أقوالا لأحد الحكماء أن يبدأوا باسمه عند أول قولة ثم يضعون بعد ذلك كلمة مثل " وقال " أو " وله "، فإذا جاء ناسخ قليل الاعتناء وحذف الجملة الأولى، اضطربت النسبة، وأصبح كل ما يجيء بعد ذلك منسوبا إلى قائل آخر (١) . ثم إن كل ناسخ أو صانع مختارات كان يطلق لنفسه العنان في الحذف والجمع، حسبما يمليه عليه ذوقه، وفي هذا مجال آخر للاضطراب (٢) وإذا صح أن كلا من حنين واصطفن قد ضللته المصادر الأصلية، فقد كانت صورة أوميرس الشاعر الحكيم في نفسيهما تتيح توكيدا قويا لذلك التضليل، وهذا أمر لم يقتصر على أوميرس وحده.

وقد أقترح الدكتور فهمي جدعان أن يكون بعض الأقوال الواردة في منتخب صوان الحكمة صحيح النسبة إلى أوميرس، وأحال بذلك على قصيدة مفقودة للشاعر تدعى " مرغيتس " (٣) وهي تعد شبيهة بالكوميديا، وخاصة وأن بعض الأقوال التي نسبت إليه يقوم على السخرية، ولكنه عاد فأبدى شيئا من التحفظ تجاه هذا الرأي (٤) ، لأن الأستاذ أولمان كان قد أرجع كثيرا من تلك الأقوال إلى أصولها اليونانية، وليس فيها ما يرتد إلى أوميرس نفسه.

ومن تأمل هذه الأقوال وجدها؟ كما رآها الدكتور جدعان - تنقسم في قسمين أساسيين " أحدهما جاء يعبر عن حكمة الخير والشر وعن الأمثال التي تعبر عن خبرة عميقة وفذة في الحياة وفي معرفة الأمور الإلهية والإنسانية، وثانيهما هازل ناقد ساخر ينصب على موضوعات محددة كالمرأة والزواج اللذين يحظيان بأكبر نصيب من النقد والسخرية " (٥) . وبوجه تفصيلي تعلي هذه الأقوال من قيمة الأدب وتتحدث عن الفضيلة


(١) من أوضح الأمثلة على ذلك تلك القائمة من الحكم التي أوردها أسامة بن منقذ في لباب الآداب.
(٢) شتروماير: ٤٦٤ وانظر كريمر: ٣٠١.
(٣) مجلة الأبحاث: ١٤ - ١٥.
(٤) مجلة الأبحاث: ٢٦ (الحاشية: ٢٦) .
(٥) مجلة الأبحاث: ٢٥ - ٢٦.

<<  <   >  >>