للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فإذا لم نقل إن شخصية أوميرس تلتبس هنا بشخصية سيمونيدس أو ديوجانس (لأنه يروي الحكاية عن غيره) ، فإنه يصلح أن يكون رمزا لهذا المفهوم الذي تعبر عنه الروايتان، ويشترك مع كل من الشاعر والحكيم في نظراته إلى بعض شئون الحياة. وهذا قد يكون شيئا طبيعيا مقبولا، غير أن الأمر الذي يستوقف النظر ويثير الدهشة حقا التباس شخصية أوميرس بشخصية ايسوبيوس (ايسوب: ايجازا) ، إن قلة المعلومات التاريخية التي لدينا عن الشاعر لا تمكن المرء من أجراء المقارنات بين الأخبار المروية عنه وعن إيسوب، كما أن قلة هذه المعلومات ربما كانت السبب في إفساح المجال لذلك الخلط بين الشخصيتين، بالإضافة إلى أسباب أخرى، أشرت إلى نماذج منها فيما تقدم.

فالحديث عن أسر أوميرس وبيعه واسترقاقه وإقامته في الرق مدة طويلة ثم عتقه بعد ذلك، وما يتصل بهذه الأحداث من أقوال (١) إنما هو ترديد لقصة إيسوب التي قد تكون بدورها أيضا قصة ملفقة من عدة قصص، للخيال فيها دور كبير (٢) . روى المبشر بن فاتك أن أوميرس لما عرض للبيع قال له الذي أراد شراءه: أترى أن أشتريك؟ فقال له: بعد لم تشترني، أمشيرا في مالك جعلتني (٣) ؟ ووردت هذه القصة في المجتنى لابن دريد على نحو مقارب: " وأسرييوش وأراد رجل شراءه فقال له: أشتريك؟ فقال كيف تشتريني وأكون لك عبدا بعد ما اتخذتني وزيرا (يريد بعدما شاورتني في ابتياعي) (٤) ، واسم اسيوش قد يقرأ بسهولة " أيسوبيوس " والقصة واردة في ترجمة ايسوب عندما أراد شراءه ختنثوس (Xanthus) الفيلسوف (٥) . وعلى هذا السياق نفسه يمكن أن تحمل الرواية الأخرى التي جاء فيها: واشتراه بعضهم فقال له: لأي شيء تصلح، فقال: للحرية (٦) ، فإن أقوى الروابط بين شخصيتي أوميرس وايسوب


(١) مختار الحكم: ٣٠.
(٢) انظر حياة إيسوب في:
Lioyd W. Daly: Aesop without Morals (New York، London، ١٩٦١) PP. ١١ - ٩٠.
ويشار إليه باسم " دالي ".
(٣) مختار الحكم: ٣٠.
(٤) المجتنى: ٥٢ وانظر أيضا منتخب الصوان: ٩١ (٢٣٢ ط. طهران حيث كتب اسونس) .
(٥) انظر دالي: ٤٣، وروزنتال رقم: ١٧.
(٦) مختار الحكم: ٣٠.

<<  <   >  >>