للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أجنحة من ريش وكانا يطيران بها (١) ، ولكن الأهم من ذلك أنه يضع أولئك المثقفين في جو من الشعر، يبعدهم إبعادا كاملا عن التصور بأن العرب وحدهم هم المتميزون بفضيلة الشعر. ففي كل موقف اسم شاعر أو أسماء شعراء، فالحروب بين فارس وأثينا وإسبارطة وصفها بلقاط الشاعر والحروب بين الاقطانيين والطشاليين (Thessalians) وصفها أيضا هذا الشاعر نفسه، وفي حرب المشانيين (Messenians) واللجذمونيين (Lacedaemonians) كان أمير اللجذمونيين هو تراؤش الشاعر (Tyrtaios) فلما غلب قومه وتهيبوا القتال نظم قصيدة أنشدها إياهم فحييت بها قلوبهم وعادوا للقتال وأبلوا فيه بلاء حسنا. وفي زمان شحشار (Xerxes) ملك الفرس كان يعيش بأثينا الفلاسفة اشيليوس (Aeschylus) وبناروش (Pindarus) وشفقلاؤس (Sophocles) الذين إليهم أشعار المراثي. ومن الطريف هنا أن كلمة " المراثي " تطلق على التراجيديا، وأن الذين استغلوا كتاب الشعر شرحا واقتباسا إنما سموها " المدائح ".

وتتسع دائرة الحديث عن الشعر: فسليمان شاعر على ما يحكيه ديوان أخبار الأنبياء، له في الكلام الموزون ألف قصيدة وخمس قصائد في طريق التهليل، على مثل ما كان الأنبياء يستعملون فيه موزون الكلام في عصرهم ذلك. وشبيلة (Sibyl) العالمة تنسب إليها الأشعار وأنواع من الكهانات والعلوم.

وللرومان شعراءهم من أمثال مرقش (Marcus) وفرقيلش (Virgil - Virgilius) وججرون (Ciceron) . كذلك ترد في الكتاب إشارات إلى مواطن من الشعر الروماني، منها قوله عند الحديث عن بعض الحروب: " وهي الحروب التي قال فيها فرقيليش أشعاره المعروفة عند العامة (٢) ، وفرقيليش هذا هو الذي يقول في سبأ: " أن أغصان البخور للسبأيين خصوصا ". وثمة شاعر روماني آخر يقول في نهر صرنة الذي فاض عندما غزا أنيبال (Hannibal) إيطاليا: " ناهيك بالأبحر التي مادتها صرنه ". ومن ذلك؟ وهو شيء يلفت النظر حقا - أن المترجم نقل بعض الشعر الروماني إلى شعر عربي، أو


(١) يشير إلى الأسطورة اليونانية التي تتحدث كيف هرب ديوالوس وابنه ايقاروس من سجن في كريت على أجنحة من الريش والشمع، وان الابن لم يسمع أبيه فأعتلى في طيرانه حتى أقترب من الشمس، فذاب الشمع وسقط في البحر جنوب جزيرة ساموس.
(٢) تاريخ اوروسيوس: ٢٨٣ وكتاب دلافيدا: ٩٩.

<<  <   >  >>