وحسبي من الدنيا دلاص حصينة ... ومغفرها يوماً وصدر قناة
وأجرد محبوك السراة مقلص ... شديد أعاليه وعشر شراة مشابهاً لما يقوله عمرو القنا:
فحسبي من الدنيا دلاص حصينة ... وأجرد خوار العنان نجيب
معي كل أواه برى الصوم جسمه ... ففي الجسم منه نهكة وشحوب وليس بين ما يريده الشاعران من آلة هذه الدنيا فرق إلا في التفصيلات الجزئية، ويكاد التعبيران عن هذه الحاجة يتفقان في طبيعة الصياغة.
ولدى كل شاعر خارجي متأثر صورة واحدة لهذه الحياة الدنيا الفانية، فهو يريد أن يبيع الذي يفنى بما يبقى، وهم في هذه النظرة مشتركون، وليس في التعبير عنها أي تفاوت كبير، يقول أحدهم:
حتى أبيع الذي يفنى بآخرة ... تبقى على دين مرداس وطواف ويقول أبو بلال نفسه:
إني وزنت الذي يبقى بعاجلة ... تفنى وشيكا فلا والله ما اتزنا ويقول الرهين المرادي:
إني لبائع ما يفنى لباقية ... إن لم يعقني رجاء العيش تربيصا وهكذا نجد أننا لو رصدنا أكثر الحاجات التي يعبر عنها هذا الشعر لوجدناها محدودة مشتركة بين شعراء الخوارج، وهذا هو ما يجعل التكرار سمة بارزة في ذلك الشعر. على أن هذا التكرار لا ينقص من درجة الصدق والإخلاص في هذا الشعر، لأنه ليس تكرارا بالتقليد، أو استدعاء لنموذج شعري غالب.
٣ - الصراع مع الزمن وضروب الخذلان:
إذن تتمثل الروح الدينية في هذا الشعر، في الحماسة للعقيدة، ولكنها تتجلى أيضاً في السعي لتقصير المسافة بين الله والإنسان، وهذا ما يظهر في تلك الأشعار