أما القول بجواز رفع الصَّوت في الجنازة بالقراءة والذِّكر وغيرهما، وأنه لا بأس به، وأن من قال بوجوبه لا يبعد، فغير معروفٍ في دين الله، ولا قيمة له، ما دامت السُّنَّة وعمل الصَّدر الأول على خلافه، وما دام لم يقم دليلٌ شرعيٌّ آخر على طلب الجهر أو جوازه جوازاً مستوي الطرفين، وأما ما نقل عن بعض المتأخرين من العلماء -إن صحَّ الأخذ بآرائهم- فمحمولٌ على حالة خاصة، لا يتعدَّى الحكم فيها ظروفها الخاصة؛ مثال ذلك: أن يتمكَّن الجهلُ بالدِّين من الناس ويتحاكموا إلى العصبية والجاهلية الأولى، إذا استحكم الخلاف بينهم، ويخشى إذا فُوجئوا وقت تشييع الجنازة بطلب العمل بالسُّنَّة أن تحدث فتنة، تعود على المسلمين بالضَّعف والتَّفرّق، خصوصاً إذا كان الداعي فاقد الحكمة، أو سيّء النية؛ ففي مثل تلك الحالة، يجوز أن يترك الناس على ما هم عليه فراراً من الفتنة، لا غير (١) ،
(١) على وفق المقرر عند الفقهاء، ودرجات تغيير المنكر خمسة؛ فإن زال أو نقص: فالنهي واجب، وإن زال بعضه وظهر منكر مثله: فمحل نظر، وإن لم يزل: فهو سنّة مرغَّب= =فيه، وإن ترتب عليه منكر مثله أو أشد: فإنكاره منكر. وانظر -لزوماً-: «إعلام الموقعين» (٣/٣٣٩-٣٤٠ - بتحقيقي) ..