للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:

فالاقتصار في درء تلك المفاسد على ترتيل التَّضرُّعات والابتهالات، مع الاعتراض (١) عن كل مخرِّف أو مُحدَث في الدين ما ليس منه، لا يرفع وجوب الأمر بالعرف (٢) والنهي عن المنكر، كفانا ما أسند أهل الزَّيغ من الوصمات إلى أصل الدِّين، بسبب هكذا أعمال خالفت أصله المؤصل، وركنه الموطّد، هذا ما أدمى القلوب، إننا بين ظهراني طوائف متنوّعة، تعلم معالمنا القويمة، وتستخفّ من انتباذها، وبين أمم زائغة، ديدنها النَّقد والهزء، مع ما هي عليه من الجهل المركَّب، فما أوجب أن نتحصَّن بأصول هذا الملجأ الممنع، الذي {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: ٤٢] ، وما أليق أن نتكمل بقول عز من قائل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: ٣] ، فضلاً عما وراء ذلك من نتائج حسنة، تعزّز روح حياتنا الاجتماعية من كل وجه، هذا رفع الصّوت بالذِّكر أمام الجنائز -فضلاً عن غيره من التَّمطيط والتَّشدُّق- لهو جزئية من جزئيات بدع شوهت أصل الدين، بنظر كل جاهل فيه، ولكن كم من بدعة صغيرة لم تلبث حتى اتّسع خرقها، وعظم وزرُها، وكم من محرمات ومستنكرات هكذا كان بدؤها؟

فاربأوا أهل الإسلام بدينكم عن طعن الطَّاعنين، واستثمروا نتائجه التي ترقى بنا إلى أوج السَّعادة والفلاح {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الحديد: ٢٨] .

فنسألك اللهم غفراناً على ما اقترفناه، ومعونةً على كل عمل ترضاه، والحمد لله رب العالمين.

٢٠ جمادى الأولى سنة ١٣٤٤

كتبه

سعيد الحمزاوي (٣)


(١) كذا في الأصل! ولعل الصواب: «الإعراض» .
(٢) كذا في الأصل! ولعل الصواب: «المعروف» .
(٣) هو محمد بن سعيد بن درويش آل حمزة، الشهير بالحمزاوي، ولد بدمشق سنة ١٣١٣هـ، وتعلم فيها متلقياً عن كبار علمائها، كالمحدث بدر الدين الحسني، وحصل على إجازات كثيرة منهم، كما حصل من دمشق على الشهادة الثانوية، تولى نقابة الأشراف في شعبان سنة ١٣٦١هـ، وظل يشغلها حتى وفاته، توفي بحي المهاجرين في دمشق صباح الثلاثاء ٢٧ ربيع الأول ١٣٩٨، وجاء في ورقة نعيه: «اعتذار عن عدم قبول أكاليل= =الزهور، بناء على وصيته، التي أوصى فيها -أيضاً- أن يمشي المشيعون بهدوء وسكينة، مع عدم رفع الأصوات» ، وهكذا أوصى أبوه، كما تقدم في كلمته.
ترجمته في: «تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري» (٢/٩٤٠) ، «إتحاف ذوي العناية» (٦٥) ، «ذكريات علي الطنطاوي» (١/٢٠٤ و٥/١٠٩ و٣/٢٨٠ و٤/١٤٩) .
وفرغت من التعليق عليه: ضحى يوم الخميس ٢٠/جمادى الأولى/سنة ١٤٢٢هـ، والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

<<  <