للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

• ابن أبي شيبة [٢٥٧٩٨] حدثنا ابن علية عن علقمة عن محمد بن سيرين قال: نبئت عن حطان بن عبد الله قال: أتى عَلَيّ صاحبٌ لي فناداني فأشرفت عليه، فقال: قرئ علينا كتاب أمير المؤمنين، يعزم على من كان في بيته ستر منصوب فيه تصاوير لما وضعه فكرهت أن أبيت عاصيا، فقمنا إلى قرام لنا فوضعته، قال محمد: وكانوا لا يرون ما وطئ وبسط من التصاوير مثل الذي نصب (١) اهـ ثقات.

وقال ابن أبي شيبة [٢٥٧١٤] حدثنا معتمر عن أبيه قال: سمعت الحسن يقول: أو لم يكن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يدخلون الخانات فيها التصاوير؟. اهـ سند بصري صحيح.

وقال البيهقي في دلائل النبوة [١/ ٣٨٤] باب ما وجد من صورة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مقرونة بصورة الأنبياء قبله بالشام: ... وفي كتابي عن شيخنا أبي عبد الله الحافظ وهو فيما أنبأني به إجازة أن أبا محمد عبد الله بن إسحاق البغوي أخبرهم قال: حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم بن إدريس قال: حدثنا عبد الله بن إدريس عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة الباهلي عن هشام بن العاص الأموي قال: بعثت أنا ورجل آخر من قريش إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام، فخرجنا حتى قدمنا الغوطة يعني دمشق فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني، فدخلنا عليه وإذا هو على سرير له، فأرسل إلينا برسول نكلمه، فقلنا له: والله لا نكلم رسولا، إنما بعثنا إلى الملك، فإن أذن لنا كلمناه، وإلا لم نكلم الرسول، فرجع إليه الرسول فأخبره بذلك. قال: فأذن لنا، فقال: تكلموا فكلمه هشام بن العاص ودعاه إلى الإسلام، وإذا عليه ثياب سواد، فقال له هشام: ما هذه التي عليك؟ فقال: لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام. قلنا: ومجلسك هذا فو الله لنأخذنه منك ولنأخذن ملك الملك الأعظم إن شاء الله تعالى. أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، قال: لستم بهم بل هم قوم يصومون بالنهار ويقومون بالليل. فكيف صومكم؟ فأخبرناه، فملأ وجهه سوادا، فقال: قوموا. وبعث معنا رسولا إلى الملك، فخرجنا حتى إذا كنا قريبا من المدينة قال لنا الذي معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك، فإن شئتم حملناكم على براذين وبغال، قلنا: والله لا ندخل إلا عليها. فأرسلوا إلى الملك: إنهم يأبون.

فدخلنا على رواحلنا متقلدين سيوفنا حتى انتهينا إلى غرفة له، فأنخنا في أصلها، وهو ينظر إلينا، فقلنا: لا إله إلا الله والله أكبر، والله يعلم لقد تنفضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح. فأرسل إلينا: ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم. وأرسل إلينا أن ادخلوا. فدخلنا عليه وهو على فراش له، وعنده بطارقته من الروم، وكل شيء في مجلسه أحمر، وما حوله حمرة، وعليه ثياب من الحمرة. فدنوا منه فضحك، وقال: ما كان عليكم لو حييتموني بتحيتكم فيما بينكم، فإذا عنده، رجل فصيح بالعربية، كثير الكلام. فقلنا: إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك، وتحيتك التي تحيا بها لا يحل لنا أن نحييك بها. قال: كيف تحيتكم فيما بينكم؟ فقلنا: السلام عليك. قال: فكيف تحيون ملككم؟ قلنا: بها. قال: وكيف يرد عليكم؟ قلنا: بها. قال: فما أعظم كلامكم؟ قلنا: لا إله إلا الله والله أكبر. فلما تكلمنا بها قال: والله لقد تنقضت الغرفة حتى رفع رأسه إليها. قال: فهذه الكلمة التي قلتموها حيث تنفضت الغرفة كلما قلتموها في بيوتكم تنفض بيوتكم عليكم؟ قلنا: لا، ما رأيناها فعلت هذا قط إلا عندك. قال: لوددت أنكم كلما قلتم تنفض كل شيء عليكم، وأني خرجت من نصف ملكي، قلنا: لم؟ قال: لأنه كان أيسر لشأنها وأجدر أن لا يكون من أمر النبوة وأن يكون من حيل الناس. ثم سألنا عما أراد، فأخبرناه. ثم قال: كيف صلاتكم وصومكم؟ فأخبرناه. فقال: قوموا. فقمنا، فأمر لنا بمنزل حسن ونزل كثير، فأقمنا ثلاثا، فأرسل إلينا ليلا، فدخلنا عليه فاستعاد قولنا فأعدناه، ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهبة فيها بيوت صغار عليها أبواب، ففتح بيتا وقفلا، واستخرج حريرة سوداء فنشرها، فإذا فيها صورة حمراء، وإذا فيها رجل ضخم العينين، عظيم الأليتين، لم أر مثل طول عنقه، وإذا ليست له لحية، وإذا له ضفيرتان، أحسن ما خلق الله. قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا.

قال: هذا آدم، عليه السلام، وإذا هو أكثر الناس شعرا. ثم فتح لنا بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها صورة بيضاء، وإذا له شعر كشعر القطط، أحمر العينين، ضخم الهامة، حسن اللحية، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا نوح، عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها رجل شديد البياض، حسن العينين، صلت الجبين، طويل الخد، أبيض اللحية، كأنه يتبسم، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا إبراهيم، عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فإذا فيها صورة بيضاء وإذا، والله، رسول الله، قال: أتعرفون هذا؟ قلنا: نعم، محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: وبكينا. قال: والله يعلم أنه قام قائما ثم جلس وقال: والله، إنه لهو؟ قلنا: نعم. إنه لهو كأنما ننظر إليه فأمسك ساعة ينظر إليها، ثم قال: أما إنه كان آخر البيوت ولكني عجلته لكم لأنظر ما عندكم. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء، فإذا فيها صورة أدماء سحماء، وإذا رجل جعد قطط، غائر العينين، حديد النظر، عابس، متراكب الأسنان، مقلص الشفة، كأنه غضبان، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا موسى، عليه السلام، وإلى جنبه صورة تشبهه، إلا أنه مدهان الرأس، عريض الجبين، في عينه قبل، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا: قال: هذا هارون بن عمران. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة رجل آدم، سبط، ربعة كأنه غضبان، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا: قال: هذا لوط عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة رجل أبيض، مشرب حمرة، أقنى، خفيف العارضين، حسن الوجه، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا إسحاق، عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة تشبه إسحاق إلا إنه على شفته السفلى خال، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا يعقوب، عليه السلام.

ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، فيها صورة رجل أبيض، حسن الوجه، أقنى الأنف، حسن القامة، يعلو وجهه نور، يعرف في وجهه الخشوع، يضرب إلى الحمرة، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا إسماعيل جد نبيكم. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء، فيها صورة كأنها صورة آدم، كأن وجهه الشمس، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا يوسف عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء، فيها صورة رجل أحمر، حمش الساقين، أخفش العينين، ضخم البطن، ربعة، متقلد سيفا، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا داود، عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء، فيها صورة رجل ضخم الأليتين، طويل الرجلين، راكب فرس، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا سليمان بن داود، عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، فيها صورة بيضاء وإذا رجل شاب، شديد سواد اللحية، كثير الشعر، حسن العينين، حسن الوجه، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا عيسى بن مريم، عليه السلام. قلنا: من أين لكم هذه الصور، لأنا نعلم أنها على ما صورت عليه الأنبياء عليهم السلام، لأنا رأينا صورة نبينا، عليه السلام، مثله؟ فقال: إن آدم، عليه السلام، سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده، فأنزل عليه صورهم، وكان في خزانة آدم، عليه السلام، عند مغرب الشمس، فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس، فدفعها إلى دانيال. ثم قال: أما والله إن نفسي طابت بالخروج من ملكي، وإن كنت عبدا لأَشَرِّكُم ملكةً حتى أموت. ثم أجازنا فأحسن جائزتنا، وسرحنا. فلما أتينا أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، حدثناه بما رأينا، وما قال لنا، وما أجازنا. قال: فبكى أبو بكر وقال: مسكين، لو أراد الله عز وجل به خيرا لفعل. ثم قال: أخبرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنهم واليهود يجدون نعت محمد عليه السلام عندهم. اهـ ذكره ابن كثير في التفسير وقال: إسناده لا بأس به.

قلت: ذكر الذهبي في السير له شواهد. وفيه حجة على بطلان التصوير، وهذه الشريعة محكمة (٢).


(١) - ابن أبي شيبة [٢٥٨٠٣] حدثنا ابن علية عن ابن عون قال: كان في مجلس محمد وسائد فيها تماثيل عصافير، فكان أناس يقولون في ذلك، فقال محمد: إن هؤلاء قد أكثروا، فلو حولتموها. اهـ صحيح. وكان ابن سيرين يروي في الخاتم شيئا، يأتي.
(٢) - قد كان يمكن لو كان جائزا أن يأخذوا الصور أو ينتسخوها، ويجعلوها مردا لمن رأى رسول الله في المنام ليعرف الرائي صدق رؤياه من كذبها، ونحو هذه المقاصد المشبهة. ولكنهم لم يتكلفوا غير ما كُلفوا، وكل بدعة ضلالة.