• ابن جرير [٤٠٨١] حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال: حدثنا شعيب بن الليث قال: حدثنا الليث قال: حدثنا أبو الزبير عن جابر قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى أو يغزو، حتى إذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ. اهـ رواه أحمد، وإسناده صحيح.
وقال الطحاوي في شرح مشكل الآثار [١٢/ ٣٨٧] حدثنا علي بن عبد الرحمن قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) قال: حد الله عز وجل للذين عاهدوا رسوله صلى الله عليه وسلم أربعة أشهر يسيحون فيها حيث شاءوا وحد لمن ليس له عهد انسلاخ الأشهر الحرم من يوم النحر إلى انسلاخ المحرم خمسين ليلة (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) فإذا انسلخ الأشهر الحرم أمره أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في الإسلام، ونقض ما سمى لهم من العهد والميثاق وأذهب الميقات وأذهب الشرط الأول، ثم قال (إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) يعني أهل مكة (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين) وقوله (وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة) قوله إلا القرابة، والعهد الذمة، فلما نزلت براءة انتقضت العهود، وقاتل المشركين حيث وجدهم، وقعد لهم كل مرصد حتى دخلوا في الإسلام، فلم يؤو به أحد من العرب بعد براءة (١). اهـ
(١) - ثم قال الطحاوي رحمه الله: وحملنا على قبول رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وإن كان لم يلقه لأنها في الحقيقة عنه عن مجاهد وعكرمة وعن ابن عباس. ولقد حدثني علي بن الحسين القاضي قال: سمعت الحسين بن عبد الرحمن بن فهد يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: بمصر كتاب معاوية بن صالح في التأويل، لو دخل رجل إلى مصر، فكتبه, ثم انصرف به ما رأيت رجليه ذهبت باطلا والله عز وجل نسأله التوفيق .. اهـ وقال ابن جرير [٤/ ٣١٤] والصواب من القول في ذلك ما قاله عطاء بن ميسرة من أن النهي عن قتال المشركين في الأشهر الحرم منسوخ بقول الله جل ثناؤه (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) وإنما قلنا ذلك ناسخ لقوله (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير) لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه غزا هوازن بحنين وثقيفا بالطائف، وأرسل أبا عامر إلى أوطاس لحرب من بها من المشركين، في الأشهر الحرم، وذلك في شوال وبعض ذي القعدة، وهو من الأشهر الحرم. فكان معلوما بذلك أنه لو كان القتال فيهن حراما وفيه معصية، كان أبعد الناس من فعله صلى الله عليه وسلم. وأخرى أن جميع أهل العلم بسير رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتدافع أن بيعة الرضوان على قتال قريش كانت في ذي القعدة، وأنه صلى الله عليه وسلم إنما دعا أصحابه إليها يومئذ، لأنه بلغه أن عثمان بن عفان قتله المشركون إذ أرسله إليهم بما أرسله به من الرسالة، فبايع صلى الله عليه وسلم على أن يناجز القوم الحرب ويحاربهم، حتى رجع عثمان بالرسالة، جرى بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش الصلح، فكف عن حربهم حينئذ وقتالهم. وكان ذلك في ذي القعدة، وهو من الأشهر الحرم. فإذ كان ذلك كذلك، فبين صحة ما قلنا في قوله (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير) وأنه منسوخ. فإذا ظن ظان أن النهي عن القتال في الأشهر الحرم كان بعد استحلال النبي صلى الله عليه وسلم إياهن لما وصفنا من حروبه. فقد ظن جهلا. وذلك أن هذه الآية أعني قوله (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) في أمر عبد الله بن جحش وأصحابه، وما كان من أمرهم وأمر القتيل الذي قتلوه، فأنزل الله في أمره هذه الآية في آخر جمادى الآخرة من السنة الثانية من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهجرته إليها، وكانت وقعة حنين والطائف في شوال من سنة ثمان من مقدمه المدينة وهجرته إليها، وبينهما من المدة ما لا يخفى على أحد. اهـ