• ابن أبي شيبة [٣٣٧٩٣] حدثنا عفان قال: ثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا أبو عمران الجوني عن علقمة بن عبد الله المزني عن معقل بن يسار أن عمر بن الخطاب شاور الهرمزان في فارس وأصبهان وأذربيجان، فقال: أصبهان الرأس وفارس وأذربيجان الجناحان, فإن قطعت أحد الجناحين مال الرأس بالجناح الآخر, وإن قطعت الرأس وقع الجناحان, فابدأ بالرأس.
فدخل المسجد، فإذا هو بالنعمان بن مقرن يصلي, فقعد إلى جنبه, فلما قضى صلاته قال: ما أراني إلا مستعملك, قال: أما جابيا فلا, ولكن غازيا, قال: فإنك غاز, فوجهه وكتب إلى أهل الكوفة أن يمدوه, قال: ومعه الزبير بن العوام، وعمرو بن معدي كرب، وحذيفة، وابن عمر، والأشعث بن قيس, قال: فأرسل النعمان المغيرة بن شعبة إلى ملكهم وهو يقال له: ذو الجناحين, فقطع إليهم نهرهم فقيل لذي الجناحين: إن رسول العرب هاهنا, فشاور أصحابه، فقال: ما ترون؟ أقعد له في بهجة الملك وهيئة الملك أو في هيئة الحرب, قالوا: لا بل اقعد له في بهجة الملك, فقعد على سريره ووضع التاج على رأسه, وقعد أبناء الملوك سماطين, عليهم القرطة وأساور الذهب والديباج, قال: فأذن للمغيرة فأخذ بضبعه رجلان ومعه رمحه وسيفه, قال: فجعل يطعن برمحه في بسطهم يخرقها ليتطيروا حتى قام بين يديه, قال: فجعل يكلمه والترجمان يترجم بينهما: إنكم معشر العرب أصابكم جوع وجهد فجئتم, فإن شئتم مرناكم ورجعتم, قال: فتكلم المغيرة بن شعبة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنا معشر العرب كنا أذلة يطأونا ولا نطأهم, ونأكل الكلاب والجيفة وأن الله ابتعث منا نبيا في شرف منا, أوسطنا حسبا وأصدقنا حديثا, قال: فبعث النبي صلى الله عليه وسلم بما بعثه به, فأخبرنا بأشياء وجدناها كما قال, وأنه وعدنا فيما وعدنا أنا سنملك ما هاهنا ونغلب, وأني أرى هاهنا بزة وهيئة ما من خلفي بتاركها حتى يصيبها, قال: فقالت لي نفسي: لو جمعت جراميزك فوثبت فقعدت مع العلج على سريره حتى يتطير, قال: فوثبت وثبة, فإذا أنا معه على سريره, فجعلوا يطأوني بأرجلهم ويجروني بأيديهم فقلت: إنا لا نفعل هذا برسلكم, فإن كنت عجزت أو استحمقت، فلا تؤاخذوني, فإن الرسل لا يفعل بهم هذا, فقال الملك: إن شئت قطعنا إليكم وإن شئتم قطعتم إلينا, فقلت: لا بل نحن نقطع إليكم, قال: فقطعنا إليهم، فسلسلوا كل خمسة وسبعة وستة وعشرة في سلسلة حتى لا
يفروا, فعبرنا إليهم فصاففناهم فرشقونا حتى أسرعوا فينا, فقال المغيرة للنعمان: إنه قد أسرع في الناس قد خرجوا قد أسرع فيهم, فلو حملت؟ قال النعمان: إنك لذو مناقب وقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا لم يقاتل أول النهار انتظر حتى تزول الشمس، وتهب الرياح وتنزل النصر. ثم قال: إني هاز لوائي ثلاث هزات, فأما أول هزة فليقض الرجل حاجته وليتوضأ, وأما الثانية فلينظر الرجل إلى شسعه ورم من سلاحه, فإذا هززت الثالثة فاحملوا, ولا يلوين أحد على أحد, وإن قتل النعمان فلا يلوين عليه أحد, وإني داعي الله بدعوة، فأقسمت على كل امرئ مسلم لما أمن عليها, فقال: اللهم ارزق النعمان اليوم الشهادة في نصر وفتح عليهم, قال: فأمن القوم وهز لواءه ثلاث هزات، ثم قال: سل درعه، ثم حمل وحمل الناس, قال: وكان أول صريع, قال: فأتيت عليه فذكرت عزمته، فلم ألو عليه وأعلمت علما حتى أعرف مكانه, قال: فجعلنا إذا قتلنا الرجل شغل عنا أصحابه قال: ووقع ذو الجناحين عن بغلة له شهباء فانشق بطنه, ففتح الله على المسلمين, فأتيت مكان النعمان وبه رمق, فأتيته بإداوة فغسلت عن وجهه، فقال: من هذا؟ فقلت: معقل بن يسار, قال: ما فعل الناس؟ قلت: فتح الله عليهم, قال: لله الحمد, اكتبوا ذلك إلى عمر, وفاضت نفسه, واجتمع الناس إلى الأشعث بن قيس, قال: فأرسلوا إلى أم ولده: هل عهد إليك النعمان عهدا أم عندك كتاب؟ قالت: سفط فيه كتاب, فأخرجوه فإذا فيه: إن قتل النعمان ففلان, وإن قتل فلان ففلان, قال حماد، قال علي بن زيد: فحدثنا أبو عثمان قال: ذهبت بالبشارة إلى عمر، فقال: ما فعل النعمان؟ قلت: قتل, قال: ما فعل فلان؟ قلت: قتل, قال: ما فعل فلان؟ قلت: قتل, فاسترجع, قلت: وآخرون لا نعلمهم, قال: لا نعلمهم، لكن الله يعلمهم. اهـ رواه الحاكم وغيره، ورواه أبو داود والترمذي مختصرا وصححه.
وقال ابن حبان [٤٧٥٦] أخبرنا عمر بن محمد الهمداني قال: حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال: حدثنا آدم بن أبي إياس قال: حدثنا مبارك بن فضالة قال: حدثنا زياد بن جبير بن حية قال: أخبرني أبي أن عمر بن الخطاب رضوان الله عليه قال للهرمزان: أما إذا فُتّني بنفسك فانصح لي، وذلك أنه قال له: تكلم لا بأس، فأمّنه، فقال الهرمزان: نعم إن فارس اليوم رأس وجناحان، قال: فأين الرأس؟ قال: بنهاوند مع بنذاذقان، فإن معه أساورة كسرى وأهل أصفهان، قال: فأين الجناحان، فذكر الهرمزان مكانا نسيته، فقال الهرمزان: فاقطع الجناحين توهن الرأس، فقال له عمر رضوان الله عليه: كذبت يا عدو الله، بل أعمد إلى الرأس فيقطعه الله، وإذا قطعه الله عني انفض عنّي الجناحان، فأراد عمر أن يسير إليه بنفسه، فقالوا: نذكرك الله يا أمير المؤمنين أن تسير بنفسك إلى العجم، فإن أصبت بها لم يكن للمسلمين نظام، ولكن ابعث الجنود، قال: فبعث أهل المدينة، وبعث فيهم عبد الله بن عمر بن الخطاب، وبعث المهاجرين والأنصار، وكتب إلى أبي موسى الأشعري، أن سر بأهل البصرة، وكتب إلى حذيفة بن اليمان، أن سر بأهل الكوفة، حتى تجتمعوا جميعا بنهاوند، فإذا اجتمعتم، فأميركم النعمان بن مقرن المزني، قال: فلما اجتمعوا بنهاوند جميعا أرسل إليهم بنذاذقان العلج أن أرسلوا إلينا يا معشر العرب رجلا منكم نكلمه، فاختار الناس المغيرة بن شعبة، قال أبي: فكأني أنظر إليه رجل طويل، أشعر أعور، فأتاه، فلما رجع إلينا سألناه، فقال لنا: إني وجدت العلج قد استشار أصحابه في أي شيء تأذنون لهذا العربي أبشارتنا وبهجتنا وملكنا أو نتقشف له، فنزهده عما في أيدينا؟ فقالوا: بل نأذن له بأفضل ما يكون من الشارة والعدة، فلما أتيتهم رأيت تلك الحراب، والدرق يلتمع منه البصر، ورأيتهم قياما على رأسه، وإذا هو على سرير من ذهب، وعلى رأسه التاج، فمضيت كما أنا، ونكست رأسي لأقعد معه على السرير، قال: فدفعت ونهرت،
فقلت إن الرسل لا يفعل بهم هذا، فقالوا لي: إنما أنت كلب أتقعد مع الملك؟ فقلت: لأنا أشرف في قومي من هذا فيكم، قال: فانتهرني، وقال: اجلس، فجلست، فترجم لي قوله، فقال: يا معشر العرب إنكم كنتم أطول الناس جوعا، وأعظم الناس شقاء، وأقذر الناس قذرا، وأبعد الناس دارا، وأبعده من كل خير، وما كان منعني أن آمر هؤلاء الأساورة حولي، أن ينتظموكم بالنشاب، إلا تنجسا بجيفكم لأنكم أرجاس، فإن تذهبوا نخلي عنكم، وإن تأبوا نركم مصارعكم، قال المغيرة: فحمدت الله وأثنيت عليه، وقلت: والله ما أخطأت من صفتنا ونعتنا شيئا، إن كنا لأبعد الناس دارا وأشد الناس جوعا وأعظم الناس شقاء وأبعد الناس من كل خير حتى بعث الله إلينا رسولا، فوعدنا النصر في الدنيا والجنة في الآخرة، فلم نزل نتعرف من ربنا مذ جاءنا رسوله صلى الله عليه وسلم الفلج والنصر، حتى أتيناكم، وإنا والله نرى لكم ملكا وعيشا لا نرجع إلى ذلك الشقاء أبدا، حتى نغلبكم على ما في أيديكم، أو نقتل في أرضكم، فقال: أما الأعور، فقد صدقكم الذي في نفسه.
فقمت من عنده، وقد والله أرعبت العلج جهدي، فأرسل إلينا العلج إما أن تعبروا إلينا بنهاوند، وإما أن نعبر إليكم، فقال النعمان: اعبروا، فعبرنا قال أبي: فلم أر كاليوم قط، إن العلوج يجيئون، كأنهم جبال الحديد، وقد تواثقوا أن لا يفروا من العرب، وقد قرن بعضهم إلى بعض، حتى كان سبعة في قران، وألقوا حسك الحديد خلفهم، وقالوا: من فر منا عقره حسك الحديد، فقال المغيرة بن شعبة حين رأى كثرتهم: لم أر كاليوم فشلا، إن عدونا يتركون أن يتتاموا، فلا يعجلوا أما، والله لو أن الأمر إلي لقد أعجلتهم به، قال: وكان النعمان رجلا بكاء، فقال: قد كان الله جل وعلا يشهدك أمثالها فلا يخزيك ولا يعري موقفك، وإنه والله ما منعني أن أناجزهم، إلا لشيء شهدته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذ غزا فلم يقاتل أول النهار لم يعجل حتى تحضر الصلوات وتهب الأرواح، ويطيب القتال، ثم قال النعمان: اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام، وأهله وذل الكفر وأهله، ثم اختم لي على إثر ذلك بالشهادة، ثم قال: أمنوا يرحمكم الله، فأمّنّا وبكى وبكينا، ثم قال النعمان: إني هاز لوائي فتيسروا للسلاح، ثم هازه الثانية، فكونوا متيسرين لقتال عدوكم بإزائهم، فإذا هززته الثالثة، فليحمل كل قوم على من يليهم من عدوكم على بركة الله، قال: فلما حضرت الصلاة وهبت الأرواح كبر وكبرنا، وقال ريح الفتح والله إن شاء الله، وإني لأرجو أن يستجيب الله لي وأن يفتح علينا فهز اللواء فتيسروا، ثم هزه الثانية، ثم هزه الثالثة، فحملنا جميعا كل قوم على من يليهم، وقال النعمان: إن أنا أصبت فعلى الناس حذيفة بن اليمان، فإن أصيب حذيفة، ففلان، فإن أصيب فلان ففلان، حتى عد سبعة آخرهم المغيرة بن شعبة، قال أبي: فوالله ما علمت من المسلمين أحدا، يحب أن يرجع إلى أهله، حتى يقتل أو يظفر وثبتوا لنا، فلم نسمع إلا وقع الحديد على الحديد، حتى
أصيب في المسلمين مصابة عظيمة، فلما رأوا صبرنا ورأونا لا نريد أن نرجع انهزموا، فجعل يقع الرجل، فيقع عليه سبعة في قران، فيقتلون جميعا، وجعل يعقرهم حسك الحديد خلفهم، فقال النعمان: قدموا اللواء فجعلنا نقدم اللواء فنقتلهم ونضربهم، فلما رأى النعمان، أن الله قد استجاب له ورأى الفتح جاءته نشابة، فأصابت خاصرته فقتلته، فجاء أخوه معقل بن مقرن فسجى عليه ثوبا وأخذ اللواء فتقدم به، ثم قال: تقدموا رحمكم الله، فجعلنا نتقدم فنهزمهم ونقتلهم، فلما فرغنا واجتمع الناس، قالوا: أين الأمير؟ فقال معقل: هذا أميركم قد أقر الله عينه بالفتح وختم له بالشهادة، فبايع الناس حذيفة بن اليمان، قال: وكان عمر رضوان الله عليه بالمدينة يدعو الله، وينتظر مثل صيحة الحبلى، فكتب حذيفة، إلى عمر بالفتح مع رجل من المسلمين، فلما قدم عليه قال: أبشر يا أمير المؤمنين، بفتح أعز الله فيه الإسلام وأهله وأذل فيه الشرك وأهله، وقال: النعمان بعثك؟ قال: احتسب النعمان يا أمير المؤمنين، فبكى عمر واسترجع، وقال: ومن ويحك، فقال: فلان، وفلان، وفلان، حتى عد ناسا ثم قال وآخرين يا أمير المؤمنين لا تعرفهم، فقال: عمر رضوان الله عليه، وهو يبكي لا يضرهم أن لا يعرفهم عمر لكن الله يعرفهم. اهـ كذا قال مبارك.
وقال البخاري [٣١٥٩] حدثنا الفضل بن يعقوب حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي حدثنا المعتمر بن سليمان حدثنا سعيد بن عبيد الله الثقفي حدثنا بكر بن عبد الله المزني وزياد بن جبير عن جبير بن حية قال: بعث عمر الناس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين، فأسلم الهرمزان فقال: إني مستشيرك في مغازيّ هذه. قال: نعم، مثلها ومثل من فيها من الناس من عدو المسلمين مثل طائر له رأس وله جناحان وله رجلان، فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان بجناح والرأس، فإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس، وإن شدخ الرأس ذهبت الرجلان والجناحان والرأس، فالرأس كسرى، والجناح قيصر، والجناح الآخر فارس، فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى. وقال بكر وزياد جميعا عن جبير بن حية قال: فندبنا عمر واستعمل علينا النعمان بن مقرن، حتى إذا كنا بأرض العدو، وخرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفا، فقام ترجمان فقال: ليكلمني رجل منكم. فقال المغيرة: سل عما شئت. قال: ما أنتم؟ قال: نحن أناس من العرب كنا في شقاء شديد وبلاء شديد، نمص الجلد والنوى من الجوع، ونلبس الوبر والشعر، ونعبد الشجر والحجر، فبينا نحن كذلك، إذ بعث رب السموات ورب الأرضين تعالى ذكره وجلت عظمته إلينا نبيا من أنفسنا، نعرف أباه وأمه، فأمرنا نبينا رسول ربنا صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثلها قط، ومن بقي منا ملك رقابكم. فقال النعمان: ربما أشهدك الله مثلها مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يندمك ولم يخزك، ولكني شهدت القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات. اهـ
ورواه البيهقي [١٩١٣١] من طريق هلال بن العلاء الرقي حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا المعتمر بن سليمان حدثنا سعيد بن عبيد الله حدثنا بكر بن عبد الله المزني وزياد بن جبير عن جبير بن حية قال: بعث عمر الناسَ من أفناء الأمصار يقاتلون المشركين فذكر الحديث في إسلام الهرمزان قال فقال: إني مستشيرك في مغازيّ هذه فأشر عليّ في مغازي المسلمين قال: نعم يا أمير المؤمنين الأرض مثلها ومثل من فيها من الناس من عدو المسلمين مثل طائر له رأس وله جناحان وله رجلان فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان بجناح والرأس وإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس وإن شدخ الرأس ذهبت الرجلان والجناحان والرأس فالرأس كسرى والجناح قيصر والجناح الآخر فارس فمر المسلمين أن ينفروا إلى كسرى: فقال بكر وزياد جميعا عن جبير بن حية قال: فندبنا عمر واستعمل علينا رجلا من مزينة يقال له النعمان بن مقرن وحشر المسلمين معه قال: وخرجنا فيمن خرج من الناس حتى إذا دنونا من القوم وأداة الناس وسلاحهم الجحف والرماح المكسرة والنبل قال: فانطلقنا نسير وما لنا كثير خيول أو ما لنا خيول حتى إذا كنا بأرض العدو وبيننا وبين القوم نهر خرج علينا عامل لكسرى في أربعين ألفا حتى وقفوا على النهر ووقفنا من حياله الآخر قال: يا أيها الناس أخرجوا إلينا رجلا يكلمنا فأخرج إليه المغيرة بن شعبة وكان رجلا قد اتجر وعلم الألسنة قال: فقام ترجمان القوم فتكلم دون ملكهم قال فقال للناس: ليكلمني رجل منكم فقال المغيرة: سل عما شئت فقال: ما أنتم؟ فقال: نحن ناس من العرب، كنا في شقاء شديد وبلاء طويل نمص الجلد والنوى من الجوع ونلبس الوبر والشعر ونعبد الشجر والحجر، فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السموات ورب الأرض إلينا نبيا من أنفسنا نعرف أباه وأمه فأمرنا نبينا رسول ربنا صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية وأخبرنا نبينا عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى
جنة ونعيم لم ير مثله قط ومن بقي منا ملك رقابكم: قال فقال الرجل: بيننا وبينكم بعد غد حتى نأمر بالجسر يجسر قال: فافترقوا وجسروا الجسر ثم إن أعداء الله قطعوا إلينا في مائة ألف ستون ألفا يجرون الحديد وأربعون ألفا رماة الحدق فأطافوا بنا عشر مرات قال: وكنا اثني عشر ألفا فقالوا: هاتوا لنا رجلا يكلمنا فأخرجنا المغيرة فأعاد عليهم كلامه الأول فقال الملك: أتدرون ما مثلنا ومثلكم؟ قال المغيرة: ما مثلنا ومثلكم؟ قال: مثل رجل له بستان ذو رياحين وكان له ثعلب قد آذاه فقال له رب البستان يا أيها الثعلب لولا أن ينتن حائطي من جيفتك لهيأت ما قد قتلك وإنا لولا أن تنتن بلادنا من جيفكم لكنا قد قتلناكم بالأمس. قال له المغيرة: هل تدري ما قال الثعلب لرب البستان؟ قال: ما قال له؟ قال قال له: يا رب البستان أن أموت في حائطك ذا بين الرياحين أحب إلي من أن أخرج إلى أرض قفر ليس بها شيء وإنه والله لو لم يكن دين وقد كنا من شقاء العيش فيما ذكرت لك ما عدنا في ذلك الشقاء أبدا حتى نشارككم فيما أنتم فيه أو نموت، فكيف بنا ومن قتل منا صار إلى رحمة الله وجنته ومن بقي منا ملك رقابكم. قال جبير: فأقمنا عليهم يوما لا نقاتلهم ولا يقاتلنا القوم. قال فقام المغيرة إلى النعمان بن مقرن فقال: يا أيها الأمير إن النهار قد صنع ما ترى والله لو وليت من أمر الناس مثل الذي وليت منهم لألحقت الناس بعضهم ببعض حتى يحكم الله بين عباده بما أحب.
فقال النعمان: ربما أشهدك الله مثلها ثم لم يندمك ولم يخزك، ولكني شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات ألا أيها الناس إني لست لكلكم أسمع فانظروا إلى رايتي هذه فإذا حركتها فاستعدوا، من أراد أن يطعن برمحه فلييسر ومن أراد أن يضرب بعصاه فلييسر عصاه ومن أراد أن يطعن بخنجره فلييسره ومن أراد أن يضرب بسيفه فلييسر سيفه، ألا أيها الناس إني محركها الثانية فاستعدوا ثم إني محركها الثالثة فشدوا على بركة الله فإن قتلت فالأمير أخي فإن قتل أخي فالأمير حذيفة فإن قتل حذيفة فالأمير المغيرة بن شعبة. قال: وحدثني زياد أن أباه قال: قتلهم الله فنظرنا إلى بغل موقر عسلا وسمنا قد كدست القتلى عليه فما أشبهه إلا كوما من كوم السمك يلقى بعضه على بعض فعرفت أنه إنما يكون القتل في الأرض ولكن هذا شيء صنعه الله وظهر المسلمون وقتل النعمان وأخوه وصار الأمر إلى حذيفة فهذا حديث زياد وبكر. قال وحدثنا أبو رجاء الحنفي قال: كتب حذيفة إلى عمر أنه أصيب من المهاجرين فلان وفلان وفيمن لا يعرف أكثر فلما قرأ الكتاب رفع صوته ثم بكى وبكى فقال: بل الله يعرفهم ثلاثا. اهـ