• عبد الرزاق [١٨٥٧٤] عن ابن جريج قال أخبرني عبد الكريم قال: خرجت الحروراء فتنازعوا عليا وفارقوه وشهدوا عليه بالشرك فلم يهجهم ثم خرجوا إلى حروراء فأتي فأخبر أنهم يتجهزون من الكوفة فقال دعوهم ثم خرجوا فنزلوا بنهروان فمكثوا شهرا فقيل له اغزهم الآن فقال لا حتى يهريقوا الدماء ويقطعوا السبيل ويخيفوا الأمن فلم يهجهم حتى قتلوا فغزاهم. فقتلوا قال فقلت له: خارجة خرجت من المسلمين لم يشركوا فأخذوا ولم يقربوا أيقتلون قال لا. وقال عن ابن جريج عن عبد الكريم قال: لا يقتلون قال أتي علي بن أبي طالب برجل قد توشح السيف ولبس عليه برنسه وأراد قتله فقال له أردت قتلي قال نعم قال لم قال لما تعلم في نفسي لك فقالوا اقتله قال بل دعوه فإن قتلني فاقتلوه. ابن وهب [١٣] أخبرني محمد بن عمرو عن ابن جريج عن عبد الكريم أن الحرورية خرجت فنازعوا عليا وفارقوه وشهدوا عليه بالشرك، فلم يهجهم، ثم خرجوا إلى حروراء، فأتي علي بن أبي طالب فأخبر أنهم يتجهزون من الكوفة، فقال: دعوهم، ثم خرجوا فنزلوا بالنهروان فمكثوا به شهرا، فقيل له: أغزهم الآن، فقال: لا، حتى يهريقوا الدماء ويقطعوا السبيل ويخيفوا الأمن، فلم يهجهم حتى قتلوا، فأغزاهم، فقتلوا. اهـ منقطع.
وقال ابن أبي شيبة [٤٠٧٣٤] حدثنا ابن علية عن التيمي عن أبي مجلز قال: بينما عبد الله بن خباب في يد الخوارج إذ أتوا على نخل، فتناول رجل منهم تمرة فأقبل عليه أصحابه، فقالوا له: أخذت تمرة من تمر أهل العهد، وأتوا على خنزير فنفحه رجل منهم بالسيف فأقبل عليه أصحابه، فقالوا له: قتلت خنزيرا من خنازير أهل العهد، قال فقال عبد الله: ألا أخبركم بمن هو أعظم عليكم حقا من هذا؟ قالوا: من قال: أنا ما تركت صلاة ولا تركت كذا ولا تركت كذا، قال: فقتلوه، قال: فلما جاءهم علي، قال: أقيدونا بعبد الله بن خباب، قالوا: كيف نقيدك به وكلنا قد شرك في دمه، فاستحل قتالهم. اهـ رواه الدارقطني. وهو مرسل جيد.
وقال ابن سعد [٧٢٩٦] أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن حميد بن هلال عن رجل من عبد القيس كان مع الخوارج ثم فارقهم. قال: دخلوا قرية فخرج عليهم عبد الله بن خباب ذعرا، قالوا: لن تراع، قال: والله لقد رعتموني، قالوا: لن تراع. قال: والله لقد رعتموني، قالوا: أنت عبد الله بن خباب صاحب رسول الله؟ قال: نعم. قالوا: فهل سمعت من أبيك حديثا يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدثناه؟ قال: نعم, سمعت أبي يحدث عن رسول الله ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم, والقائم فيها خير من الماشي, والماشي فيها خير من الساعي. قال: فإن أدركت ذاك فكن عبد الله المقتول. قال أيوب: ولا أعلمه إلا قال: ولا تكن عبد الله القاتل. قالوا: أسمعت هذا من أبيك يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال: فقدموه على ضفة النهر فضربوا عنقه، فسال دمه كأنه شراك نعل ما امذقر, وبقروا أم ولده، فبهذا استحل علي قتالهم. اهـ رواه أحمد وابن أبي شيبة والطبراني وغيرهم، ورجاله ثقات. وقد سمي الرجل المبهم في طريق واهية. يأتي ذكر ذلك في كتاب الفتن إن شاء الله.
وقال عبد الرزاق [١٨٦٧٨] عن عكرمة بن عمار قال حدثنا أبو زميل الحنفي قال حدثنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال لما اعتزلت الحروراء فكانوا في دار على حدتهم فقلت لعلي يا أمير المؤمنين أبرد عن الصلاة لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم قال إني أتخوفهم عليك قلت كلا إن شاء الله تعالى قال فلبست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليمانية قال ثم دخلت عليهم وهم قائلون في نحر الظهيرة قال فدخلت على قوم لم أر قوما قط أشد اجتهادا منهم أيديهم كأنها ثفن الإبل ووجوههم معلمة من آثار السجود قال فدخلت فقالوا مرحبا بك يا ابن عباس ما جاء بك قلت جئت أحدثكم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم نزل الوحي وهم أعلم بتأويله فقال بعضهم لا تحدثوه وقال بعضهم والله لنحدثنه قال قلت أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأول من آمن به وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه قالوا ننقم عليه ثلاثا قال قلت وما هن قالوا أولهن أنه حكم الرجال في دين الله وقد قال الله (إن الحكم إلا لله) قال قلت وماذا؟ قالوا: وقاتل ولم يسب ولم يغنم لئن كانوا كفارا لقد حلت له أموالهم ولئن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم قال قلت وماذا قالوا محا نفسه من أمير المؤمنين فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين. قال قلت أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم وحدثتكم من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما لا تنكرون أترجعون قالوا نعم قال قلت أما قولكم حكم الرجال في دين الله فإن الله تعالى يقول (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) إلى قوله (يحكم به ذوا عدل منكم) وقال في المرأة وزوجها (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) أنشدكم الله أحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم وإصلاح ذات بينهم أحق أم في أرنب ثمنها ربع درهم قالوا اللهم بل في حقن دمائهم وإصلاح ذات بينهم.
قال أخرجت من هذه قالوا اللهم نعم قال وأما قولكم إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم أتسبون أمكم عائشة أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها فقد كفرتم وإن زعمتم أنها ليست أم المؤمنين فقد كفرتم وخرجتم من الإسلام إن الله يقول (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) فأنتم مترددون بين ضلالتين فاختاروا أيتهما شئتم أخرجت من هذه. قالوا اللهم نعم قال: وأما قولكم محا نفسه من أمير المؤمنين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشا يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتابا فقال اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقالوا والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال والله إني لرسول الله حقا وإن كذبتموني اكتب يا علي محمد بن عبد الله فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفضل من علي أخرجت من هذه قالوا اللهم نعم فرجع منهم عشرون ألفا وبقي منهم أربعة آلاف فقتلوا. اهـ رواه الحاكم وصححه والذهبي، وفيه: قال عبد الله بن عباس: فرجع من القوم ألفان وقتل سائرهم على ضلالة. اهـ
وقال ابن وهب في المحاربة [٦٥] أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله بن الأشج أن رجلا حدثه عن عبد الله بن عباس أنه قال: أرسلني علي بن أبي طالب إلى الحرورية لأكلمهم، فلما قالوا: لا حكم إلا لله، قلت: أجل صدقتم، لا حكم إلا لله, إن الله قد حكّم في رجل وامرأة، وحكم في قتل الصيد، فالحكم في رجل وامرأة وصيد أفضل أم الحكم في الأمة ترجع به وتحقن دماؤها ويلم شعثها، قال ابن الكواء، دعوه فإن الله قد أنبأكم أنهم قوم خصمون. اهـ
وقال عبد الله بن أحمد في السنة [١٥٣٩] حدثني أبي نا يحيى بن زكريا يعني ابن أبي زائدة أخبرني عبد الملك عن عطاء عن ابن عباس أن عليا أخرجه إلى الخوارج فكلمهم ففرق بينهم فقالت الخوارج بل هم قوم خصمون. اهـ سند صحيح.
وقال ابن أبي شيبة [٤٠٧١٠] حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا ابن إدريس عن إسماعيل بن سميع الحنفي عن أبي رزين قال: لما كانت الحكومة بصفين وباين الخوارج عليا رجعوا مباينين له، وهم في عسكر، وعلي في عسكر، حتى دخل علي الكوفة مع الناس بعسكره، ومضوا هم إلى حروراء في عسكرهم، فبعث علي إليهم ابن عباس فكلمهم فلم يقع منهم موقعا، فخرج علي إليهم فكلمهم حتى أجمعوا هم وهو على الرضا، فرجعوا حتى دخلوا الكوفة على الرضا منه ومنهم، فأقاموا يومين، أو نحو ذلك، قال: فدخل الأشعث بن قيس وكان يدخل على علي، فقال: إن الناس يتحدثون أنك رجعت لهم عن كفره، فلما أن كان الغد أو الجمعة صعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، فخطب، فذكرهم ومباينتهم الناس وأمرهم الذي فارقوه فيه، فعابهم وعاب أمرهم، قال: فلما نزل عن المنبر تنادوا من نواحي المسجد لا حكم إلا لله، فقال علي: حكم الله أنتظر فيكم، ثم قال بيده هكذا يسكنهم بالإشارة وهو على المنبر حتى أتاه رجل منهم واضعا إصبعيه في أذنيه وهو يقول (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين).اهـ أبو رزين اسمه مسعود بن مالك. صحيح.
وقال ابن أبي شيبة [٤٠٧٢٤] حدثنا ابن نمير قال: حدثنا عبد العزيز بن سياه قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل قال: أتيته، فسألته عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي، قال: قلت: فيم فارقوه، وفيم استحلوه، وفيم دعاهم, وفيم فارقوه، ثم استحل دماءهم؟ قال: إنه لما استحر القتل في أهل الشام بصفين، اعتصم معاوية وأصحابه بجبل، فقال عمرو بن العاص: أرسل إلى علي بالمصحف, فلا والله لا يرده عليك، قال: فجاء به رجل يحمله ينادي: بيننا وبينكم كتاب الله (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون)، قال: فقال علي: نعم، بيننا وبينكم كتاب الله, أنا أولى به منكم. قال: فجاءت الخوارج، وكنا نسميهم يومئذ القراء، قال: فجاؤوا بأسيافهم على عواتقهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين, ألا نمشي إلى هؤلاء القوم حتى يحكم الله بيننا وبينهم, فقام سهل بن حنيف، فقال: أيها الناس, اتهموا أنفسكم, لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الحديبية، ولو نرى قتالا لقاتلنا, وذلك في الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين, فجاء عمر فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله, ألسنا على حق، وهم على باطل؟ قال: بلى، قال: أليس قتلانا في الجنة، وقتلاهم في النار؟ قال: بلى، قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا، ونرجع، ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: يا ابن الخطاب, إني رسول الله، ولن يضيعني الله أبدا. قال: فانطلق عمر، ولم يصبر متغيظا، حتى أتى أبا بكر، فقال: يا أبا بكر, ألسنا على حق، وهم على باطل؟ فقال: بلى، قال: أليس قتلانا في الجنة، وقتلاهم في النار؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا ونرجع، ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: يا ابن الخطاب، إنه رسول الله، ولن يضيعه الله أبدا.
قال: فنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم بالفتح, فأرسل إلى عمر، فأقرأه إياه، فقال: يا رسول الله, أو فتح هو؟ قال: نعم, فطابت نفسه ورجع. فقال علي: أيها الناس, إن هذا فتح, فقبل علي القضية ورجع, ورجع الناس. ثم إنهم خرجوا بحروراء، أولئك العصابة من الخوارج، بضعة عشر ألفا, فأرسل إليهم يناشدهم الله, فأبوا عليه، فأتاهم صعصعة بن صوحان، فناشدهم الله، وقال: علام تقاتلون خليفتكم؟ قالوا: نخاف الفتنة، قال: فلا تعجلوا ضلالة العام، مخافة فتنة عام قابل، فرجعوا، فقالوا: نسير على ناحيتنا, فإن عليا قبل القضية, قاتلنا على ما قاتلناهم يوم صفين, وإن نقضها قاتلنا معه. فساروا حتى بلغوا النهروان, فافترقت منهم فرقة، فجعلوا يهدون الناس قتلا، فقال أصحابهم: ويلكم، ما على هذا فارقنا عليا، فبلغ عليا أمرهم، فقام فخطب الناس، فقال: ما ترون, أتسيرون إلى أهل الشام، أم ترجعون إلى هؤلاء الذين خلفوا إلى ذراريكم؟ فقالوا: لا, بل نرجع إليهم, فذكر أمرهم، فحدث عنهم ما قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فرقة تخرج عند اختلاف من الناس، تقتلهم أقرب الطائفتين بالحق, علامتهم رجل فيهم، يده كثدي المرأة.
فساروا حتى التقوا بالنهروان، فاقتتلوا قتالا شديدا, فجعلت خيل علي لا تقوم لهم، فقام علي، فقال: أيها الناس، إن كنتم إنما تقاتلون لي، فوالله ما عندي ما أجزيكم به, وإن كنتم إنما تقاتلون لله، فلا يكن هذا قتالكم, فحمل الناس حملة واحدة شديدة، فانجلت الخيل عنهم وهم مكبون على وجوههم، فقال علي: اطلبوا الرجل فيهم، قال: فطلب الناس، فلم يجدوه، حتى قال بعضهم: غرنا ابن أبي طالب من إخواننا حتى قتلناهم, فدمعت عين علي، قال: فدعا بدابته فركبها، فانطلق حتى أتى وهدة فيها قتلى، بعضهم على بعض، فجعل يجر بأرجلهم، حتى وجد الرجل تحتهم, فاجتروه، فقال علي: الله أكبر, وفرح الناس ورجعوا، وقال علي: لا أغزو العام, ورجع إلى الكوفة وقتل, واستخلف حسن، فسار بسيرة أبيه، ثم بعث بالبيعة إلى معاوية. اهـ سند جيد.
وقال أحمد [٦٥٦] حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع حدثني يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبيد الله بن عياض بن عمرو القاري قال: جاء عبد الله بن شداد، فدخل على عائشة، ونحن عندها جلوس، مرجعه من العراق ليالي قتل علي، فقالت له: يا عبد الله بن شداد، هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ تحدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي، قال: وما لي لا أصدقك؟ قالت: فحدثني عن قصتهم قال: فإن عليا لما كاتب معاوية، وحكم الحكمان، خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس، فنزلوا بأرض يقال لها حروراء، من جانب الكوفة، وإنهم عتبوا عليه فقالوا: انسلخت من قميص ألبسكه الله تعالى، واسم سماك الله تعالى به، ثم انطلقت فحكمت في دين الله، فلا حكم إلا لله تعالى. فلما أن بلغ عليا ما عتبوا عليه، وفارقوه عليه، فأمر مؤذنا فأذن: أن لا يدخل على أمير المؤمنين إلا رجل قد حمل القرآن. فلما أن امتلات الدار من قراء الناس، دعا بمصحف إمام عظيم، فوضعه بين يديه، فجعل يصكه بيده ويقول: أيها المصحف، حدث الناس، فناداه الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما تسأل عنه إنما هو مداد في ورق، ونحن نتكلم بما روينا منه، فماذا تريد؟ قال: أصحابكم هؤلاء الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله عز وجل، يقول الله تعالى في كتابه في امرأة ورجل: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) فأمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم دما وحرمة من امرأة ورجل. ونقموا علي أن كاتبت معاوية كتب علي بن أبي طالب، وقد جاءنا سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية، حين صالح قومه قريشا، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال: سهيل لا تكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال: كيف نكتب؟ فقال: اكتب باسمك اللهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاكتب: محمد رسول الله. فقال: لو أعلم أنك رسول الله لم أخالفك.
فكتب: هذا ما صالح محمد بن عبد الله قريشا. يقول: الله تعالى في كتابه: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر)، فبعث إليهم علي عبد الله بن عباس، فخرجت معه، حتى إذا توسطنا عسكرهم، قام ابن الكواء يخطب الناس، فقال: يا حملة القرآن، إن هذا عبد الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله ما يعرفه به، هذا ممن نزل فيه وفي قومه: (قوم خصمون) فردوه إلى صاحبه، ولا تواضعوه كتاب الله. فقام خطباؤهم فقالوا: والله لنواضعنه كتاب الله، فإن جاء بحق نعرفه لنتبعنه، وإن جاء بباطل لنبكتنه بباطله. فواضعوا عبد الله الكتاب ثلاثة أيام، فرجع منهم أربعة آلاف كلهم تائب، فيهم ابن الكواء، حتى أدخلهم على علي الكوفة، فبعث علي، إلى بقيتهم، فقال: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم، فقفوا حيث شئتم، حتى تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بيننا وبينكم أن لا تسفكوا دما حراما، أو تقطعوا سبيلا، أو تظلموا ذمة، فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء، إن الله لا يحب الخائنين. فقالت له عائشة: يا ابن شداد، فقد قتلهم فقال: والله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيل، وسفكوا الدم، واستحلوا أهل الذمة. فقالت: آلله؟ قال: آلله الذي لا إله إلا هو لقد كان. قالت: فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدثونه؟ يقولون: ذو الثدي، وذو الثدي. قال: قد رأيته، وقمت مع علي عليه في القتلى، فدعا الناس فقال: أتعرفون هذا؟ فما أكثر من جاء يقول: قد رأيته في مسجد بني فلان يصلي، ورأيته في مسجد بني فلان يصلي، ولم يأتوا فيه بثبت يعرف إلا ذلك. قالت: فما قول علي حين قام عليه كما يزعم أهل العراق؟ قال: سمعته يقول: صدق الله ورسوله قالت: هل سمعت منه أنه قال غير ذلك؟ قال: اللهم لا.
قالت: أجل، صدق الله ورسوله، يرحم الله عليا إنه كان من كلامه لا يرى شيئا يعجبه إلا قال: صدق الله ورسوله، فيذهب أهل العراق يكذبون عليه، ويزيدون عليه في الحديث. اهـ رواه الحاكم من طريق محمد بن كثير العبدي ثنا يحيى بن سليم وعبد الله بن واقد هو ابن الحارث عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: قدمت على عائشة. وصححه والذهبي والضياء في المختارة والألباني في الإرواء.
ورواه البيهقي من طريق الحاكم، ثم قال [١٧١٨٨] وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا أبو الحسين بن عبدة السليطي حدثنا أبو محمد أحمد بن إبراهيم بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي قال عرض علي مسلم بن خالد الزنجي عن ابن خثيم عن ابن عبد الله بن عياض عن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه دخل على عائشة رضي الله عنها ونحن عندها مرجعه من العراق ليالي قتل علي رضي الله عنه فذكر الحديث بنحوه (١).اهـ
(١) - ثم قال البيهقي رحمه الله: حديث الثدية حديث صحيح قد ذكرناه فيما مضى ويجوز أن لا يسمعه ابن شداد وسمعه غيره والله أعلم. اهـ