أوردها سعد وسعد مشتمل ... يا سعد لا تروي بها ذاك الإبل . ثم قال: إن أهون السقي التشريع. قال: ثم فرق بينهم، وسألهم، فاختلفوا، ثم اقروا بقتله، فأحسبه قال: فقتلهم به. قال: حدثنيه رجل لا أحفظ اسمه عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن علي. قوله: أوردها سعد وسعد مشتمل، هذا مثل، يقال: إن أصله كان أن رجلاً أورد إبله ماءً لا تصل إلى شربه إلا باستقاء، ثم اشتمل، ونام، وتركها لم يستق لها، يقول: فهذا الفعل لا تروى به الإبل حتى يستقي لها. وقوله: إن أهون السقي التشريع: هو مثل أيضًا، يقول: إن أيسر ما ينبغي أن يفعل بها أن يمكنها من الشريعة والحوض، ويعرض عليها الماء دون أن يستقي لها؛ لتشرب، فأراد علي بهذين المثلين أن أهون ما كان ينبغي لشريحٍ أن يفعل: أن يستقصي في المسألة، والنظر، والكشف عن خبر الرجل، حتى يعذر في طلبه، ولا يقتصر على طلب البينة فقط، كما اقتصر الذي أورد إبله ماء ثم نام .. وفي هذا الحديث من الحكم أن عليا امتحن في حد، ولا يمتحن في الحدود وإنما ذلك لأن هذا من حقوق الناس، وكل حق من حقوقهم، فإنه يمتحن فيه، كما يمتحن في جميع الدعوى، وأما الحدود التي لا امتحان فيها، فحدود الناس فيما بينهم بين الله تعالى مثل الزنا، وشرب الخمر، وأما القتل، و كل ما كان من حقوق الناس، فإنه وإن كان حدًا يسأل عنه الإمام، ويسقصى؛ لأنه من مظالم الناس وحقوقهم التي يدعيها بعضهم على بعضٍ، وكذلك كل جراحةٍ دون النفس، فهي مثل النفس، وكذلك القذف، هذا كله يمتحن فيه إذا ادعاها مدعٍ. وفي المثلين تفسير آخر، قال الأصمعي: يقال إن قوله: أورها سعد وسعد مشتمل، يقول: إنه جاء بإبله إلى شريعةٍ لا يحتاج فيها إلى استقاء الماء، فجعلت تشرب، وهو مشتمل بكسائه. وكذلك قوله: إن أهون السقي التشريع: يعني أن يوردها شريعة الماء، فلا يحتاج إلى الاستقاء لها، قال أبو عبيد: وهو أعجب القولين إلي. اهـ