وفي ذلك الموقع دار مؤيد الدولة ابن نظام الملك فخاف أن يمتد النهب إلى داره فاستعان بالجيش، فحضر جماعة منهم أخذوا يرمون الناس بالنشاب فقتلوا منهم بضعة عشر نفراً. وبذلك قضي على الشغب بالقوة؛ وأخذت الرسائل ترسل إلى نظام الملك ليتلافى الأمر، ويقول ابن الجوزي " فجاءت مكاتبات منه بالجميل ثم ثناها بضد ذلك "؛ ويمكن تفسير هذا القول المجمل بما قاله السبكي:" فعاد جواب نظام الملك في سنة سبعين وأربعمائة إلى الشيخ (أبي إسحاق) باستجلاب خاطره وتعظيمه والأمر بالانتقام من الذين أثاروا الفتنة وبأن يسجن الشريف أبو جعفر "؛ وغضب نظام الملك - بوجه خاص - على الوزير فخر الدولة أبي نصر بن جهير وكتب إلى الخليفة مطالباً بعزله، اعتقاداً منه أنه هو المسئول الأول عن تلك الحوادث، وكان من جملة الرسائل التي أرسلت إلى نظام الملك قصيدة من الفقيه الشافعي ابن أبي الصقر الواسطي يقول فيها:
وابنك القاطن فيها ... مستهان مستضام
فمتى لم تحسم الدا ... ء أياديك الجسام
فعلى مدرسة فيها ... ومن فيها السلام قال ابن الأثير:" فلما سمع نظام الملك ما جرى من الفتن وقصد مدرسته والقتل بجوارها مع أن أبنه مؤيد الملك فيها عظم عليه ذلك "؛ ولهذا سأل الخليفة أن يعزل الوزير فعزل؛ ويبدو أن الأمور ظلت هادئة بعد ذلك على مدى بضع سنوات بين أهل المذهبين، حتى عادت الخصومة فتجددت سنة ٤٧٥ في شوال أيضاً، وكان المثير لها في هذه المرة شخص يدعى البكري المغربي وكان واعظاً اشعري المذهب، وكان قد قصد نظام الملك فأحبه ومال إليه وسيره إلى بغداد، وأجرى عليه الجراية الوافرة، فوعظ في المدرسة النظامية، وكان يذكر الحنابلة ويعيبهم يكفرهم، وكان فيه حدة وطيش ولكن يبدو أن تهجمه لم يتحول من مرحلة القول إلى مرحلة التصادم الفعلى.