نظام الملك وهذا لم يفعل على غيره، وأول من صلى عليه المقتدي بأمر الله، وتقدم في الصلاة عليه أبو الفتح المظفر ابن رئيس الرؤساء وهو حينئذ نائب بالديوان ثم حمل إلى جامع القصر فصلي عليه ودفن بباب أبرز؛ وجلس أصحابه للعزاء في المدرسة النظامية ثلاثة أيام، ولم يتخلف أحد عن العزاء ورثاه عدد كبير من الشعراء؛ ورتب مؤيد الملك بعد وفاته في المدرسة الشيخ أبا سعد المتولي، فلما علم نظام الملك بذلك أنكره وقال: كان الواجب أن تغلق المدرسة بعد الشيخ أبي إسحاق سنةً.
[شخصيته وأخلاقه:]
كان نحيفاً دقيق الجسم، ذكياً قوي الحافظة، دءوباً على الدرس والتحصيل، متقللاً قشفاً في مطعمه وملبسه، قانعاً بالسير صابراً على الفقر؛ حدث بعض أصحابه أنه لم يكن يملك من الدنيا شيئاً، وبلغ به الفقر أنه كان لا يجد قوتاً ولا ملبساً قال: ولقد كنا نأتيه وهو ساكن في القطيعة فيقوم لنا نصف قومة ليس يعتدل قائماً من العري كي لا يظهر منه شيء؛ وقيل كان إذا بقي مدة لا يأكل شيئاً جاء إلى صديق له باقلاني فكان يثرد له رغيفاً ويثريه بماء الباقلاء، فربما أتاه وكان قد فرغ من بيع الباقلاء، فيقف أبو إسحاق ويقول: تلك إذاً كرة خاسرة، ويرجع. وحدث عن نفسه انه كان في أيام الطلب يشتهي ذلك النوع من الثريد بماء الباقلاء سنين، فلم يصح له لاشتغاله بالدرس ومسارعته إلى أن يكون في أول من يحضرون حلقة الشيخ؛ وكان مطرحاً للتكلف: سأله بعضهم أن يكتب له رأيه في مسألة، فمضى إلى دكان خباز فأخذ فلم الخباز ودواته وكتب الجواب في الحال ومسح القلم في ثوبه؛ وذهب يوماً إلى الديوان ومعه أبو نصر القشيري فأحس أبو نصر في كمه بثقل فقال: ما هذا يا سيدي؟ فقال: هذه قرصتي. وجمع إلى تقشفه وبساطته تورعاً شديداً أدى أحياناً إلى ما يشبه الوسواس: أخرج ذات يوم قرصين من بيته وقال لبعض أصحابه: وكلتك في أن تشتري لي الدبس