بل كتب إليه رسائل يشرح فيها الأمر، كما يراه، وربما تعدى ذلك إلى التحريض الشديد، فأخذ الحنابلة يتكلمون في أبي إسحاق ويبلغونه الأذى بألسنتهم، ويشيعون عنه أنه كتب إلى نظام الملك يسأله إبطال المذهب الحنبلي، وازداد أبو إسحاق غضباً، ومضى إلى باب الطاق يعد العدة لمبارحة بغداد والصفر إلى نظام الملك؛ وخاف الخليفة - وهو حنبلي المذهب - أن يشنع عليه الشافعية عند نظام الملك، ولهذا أرسل إلى أبي إسحاق من أقنعه بالعدول عن السفر، وسعى لأجراء الصلح بين الفريقين على يد الوزير فخر الدولة فاستدعى الوزير الشريف أبا جعفر إلى دار الخلافة، وأبلغه أن الخليفة استاء لما جرى بين المسلمين من اختلاف في عقائدهم، وكان قد استدعى أيضاً بعض الزعماء الشافعية وفيهم أبو إسحاق والقشيري، وعرض على الفريقين أن يتصالحا، وكان أبو إسحاق راغباً في الصلح إطفاءً لنار الفتنة، فتقدم إلى الشريف وقال:" أنا ذاك الذي يحضر حلقة الشريف في أيام المناظرة) وهذه كتبي في أصول الفقه فيها خلافاً للأشعرية " ثم قبل رأسه، فقال الشريف: قد كان ما تقول، إلا أنك لما كنت فقيراً لم يظهر لنا ما في نفسك، فلما جاء الأعوان والسلطان وخواجا بزرك (يعني نظام الملك) أبديت ما كان مخفياً؛ وتقدم ابن القشيري منه ولم يكن الشريف يعرفه، فلما عرف به قال: لو جاز أن يشكر أحد على بدعته لكان هذا الشاب لأنه بادهنا بما في نفسه ولم ينافق؛ ثم قال للوزير: أي صلح بيننا؛ إنما يكون الصلح بين مختصمين على ولاية أو ولاية أو دنيا أو قسمة ميراث أو تنازع في ملك، فأما هؤلاء القوم فهم يزعمون أننا كفار، ونحن نزعم أن من لا يعتقد ما نعتقده كافر فأي صلح بيننا؟
ورغم ذلك فان الاضطراب قد سكن بين الفريقين، وعمل الخليفة على أن يستبقي الشريف فقيل له أنه قد أفرد لك موضع قريب من الخدمة للمراجعة في الأمور الدينية والتبرك بمكانك، وأدرك الشريف أن الخليفة إنما