[الفصل الحادي عشر تمييزه بين مستويات البدعة، وتفرقته بين الغلاة وغيرهم]
من إنصاف الذهبي رحمه الله واعتدال فكره أن كان كثيراً ما يفرّق في الحكم بين الغلاة وغيرهم من شتى أرباب الطوائف والمذاهب، وهذا له صور وشواهد كثيرة منها:
تفرقته بين غلاة الصوفية ومعتدليهم.
فالذهبي رحمه الله كان لا يضع الصوفية كلهم في سلّة واحدة، بل كان يفرّق بين من تمسكوا منهم بالكتاب والسنّة، والتزموا بأحكام الشريعة (١)، وبين المخلّطين منهم، من أصحاب الشعوذة والترهات والشطحات والخرافات. فهو يشيد بالطائفة الأولى ويذب عنها، بينما يشتد بنقده وتقريعه على الطائفة الثانية ويحط عليها.
والشواهد كثيرة من كلام الذهبي في ذلك، اكتفى هنا بما قاله في ترجمة الإمام المحدِّث أبي سعيد بن الأعرابي،
(١) إذا كان الأمر كذلك فالأولى أن يسمى زهداً بدلاً من كلمة التصوف التي أحدثت حولها جدلاً كبيراً.