للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما - وحكاه عن جماعة من الفقهاءِ وأهلِ الحديثِ -. أنه يُقطع

بتكفيرها بذلك قطعًا، لظاهر الآية والحديثِ.

والثاني - وحكاه عن الأصوليين -: أنه لا يُقطع بذلك، بل يُحمل على

غلبةِ الظنِّ وقوَّة الرجاء، وهو في مشيئةِ اللَّه عزَّ وجلَّ، إذ لو قطع بتكفيرها، لكانتِ الصغائر في حكم المباح الذي لا تبِعَةَ فيه، وذلك نقضٌ لِعُرى

الشريعة.

قلتُ: قد يقال: لا يُقطع بتكفيرها لأنَّ أحاديثَ التكفيرِ المطلقةِ بالأعمالِ

جاءتْ مقيَّدةً بتحسينِ العملِ، كما وردَ ذلك في الوضوءِ والصَّلاةِ، وحينئذٍ

فلا يتحقَّقُ وجودُ حسنِ العملِ الذي يوجب التَّكفير، وعلى هذا الاختلافِ

الذي ذكره ابنُ عطيّة ينبني الاختلافُ في وجوبِ التوبةِ من الصغائر.

وقد خرَّج ابنُ جريرٍ من روايةِ الحسنِ أن قومًا أتوا عمرَ، فقالوا: نرى

أشياءَ من كتابِ اللَّهِ لا يُعْمَلُ بها، فقال لرجلٍ منهم: أقرأتَ القرآن كُلَّه؟

قال: نعم، قال: فهل أحصيتَهُ في نفسك؟

قال: اللَّهُمَّ لا، قال: فهل أحصيتَهُ في بصرك؟ فهل أحصيتَهُ في لفظك؟

هل أحصيتَهُ في أثَرِكَ؟ ثم تتبعهم حتَّى أتى على آخرِهِم، ثم قال: ثكِلَت عمرَ أمُّهُ أتكلفونه أن يُقيمَ على الناس كتابَ اللَّهِ؟ قد علم ربُّنا أنه سيكون لنا سيئات، قال وتلا: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (٣١) .

وبإسنادِهِ عن أنس بن مالكٍ أنه قال: لم أرَ مثلَ الذي بلغنا عن ربِّنا

تعالى، ثم لم نَخْرُجْ له عن كلِّ أهلٍ ومال، ثم سكت، ثم قال: واللَّه لقد

<<  <  ج: ص:  >  >>