[ملحق رقم (١)]
ملاحق الكتاب ملحق رقم (١)
فتوى رقم (١٩٤٠٢) وتاريخ ٢٥/ ١ / ١٤١٨ هـ
بشأن الدعوة إلى وحدة الأديان الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء استعرضت ما ورد إليها من تساؤلات، وما ينشر في وسائل الإعلام من آراء ومقالات، بشأن الدعوة إلى (وحدة الأديان): دين الإسلام، ودين اليهود، ودين النصارى، وما تفرع عن ذلك من دعوة إلى بناء: مسجد وكنيسة ومعبد في محيط واحد، في رحاب الجامعات والمطارات والساحات العامة، ودعوة إلى طباعة القرآن الكريم والتوراة والإنجيل في غلاف واحد، إلى غير ذلك من آثار هذه الدعوة، وما يعقد لها من مؤتمرات وندوات وجمعيات في الشرق والغرب، وبعد التأمل والدراسة فإن اللجنة تقرر ما يلي:
أولاً: أن من أصول الاعتقاد في الإسلام، المعلومة من الدين بالضرورة، والتي أجمع عليها المسلمون: أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى دين الإسلام، وأنه خاتمة الأديان، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع، فلم يَبْق على وجه الأرض دين يُتعبد الله به سوى الإسلام، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: ٨٥] والإسلام بعد بعثة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو ما جاء به دون ما سواه من الأديان.
ثانياً: ومن أصول الاعتقاد في الإسلام: أن كتاب الله تعالى: (القرآن الكريم) هو آخر كتب الله نزولاً وعهداً برب العالمين، وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل، من التوراة والزبور والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليها، فلم يبق كتاب منزل يُتعبد الله به سوى: (القرآن الكريم) قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: ٤٨]
ثالثاً: يجب الإيمان بأن (التوراة والإنجيل) قد نسخا بالقرآن الكريم، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان، كما جاء بيان ذلك في آيات من كتاب الله الكريم، منها: قول الله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: ١٥٥] وقوله جل وعلا: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: ٧٩] وقوله سبحانه: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: ٧٨] ولهذا: فما كان منها صحيحاً فهو منسوخ بالإسلام، وما سوى ذلك فهو محرف أو مبدل، وقد ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أنه غضب حين رأى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال عليه الصلاة والسلام: "أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟! ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي» رواه أحمد والدارمي وغيرهما.
رابعاً: ومن أصول الاعتقاد في الإسلام: أن نبينا ورسولنا محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو خاتم الأنبياء والمرسلين، كما قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: ٤٠] فلم يبق رسول يجب اتباعه سوى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو كان أحد من أنبياء الله ورسله حيًا لما وسعه إلا اتباعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنه لا يسع أتباعهم إلا ذلك- كما قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: ٨١] ونبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل في آخر الزمان يكون تابعاً لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحاكماً بشريعته. وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف: ١٥٧]
كما أن من أصول الاعتقاد في الإٍسلام: أن بعثة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عامة للناس أجمعين، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ: ٢٨] وقال سبحانه: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: ١٥٨] وغيرها من الآيات.
خامساً: ومن أصول الإسلام: أنه يجب اعتقاد كفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم، وتسميته كافراً، وأنه عدو لله ورسوله والمؤمنين، وأنه من أهل النار، كما قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: ١] وقال جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة: ٦] وغيرها من الآيات. وثبت في صحيح مسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار».
ولهذا: فمن لم يكفر باليهود والنصارى فهو كافر، طرداً لقاعدة الشريعة: (من لم يكفر الكافر فهو كافر).
سادساً: وأمام هذه الأصول الاعتقادية والحقائق الشرعية، فإن الدعوة إلى: (وحدة الأديان) والتقارب بينها وصهرها في قالب واحد، دعوة خبيثة ماكرة، والغرض منها: خلط الحق بالباطل، وهدم الإسلام وتقويض دعائمه، وجرُّ أهله إلى ردة شاملة، ومصداق ذلك في قول الله سبحانه: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: ٢١٧] وقوله جل وعلا: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: ٨٩]
سابعاً: وإن من آثار هذه الدعوة الآثمة: إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر والحق والباطل، والمعروف والمنكر، وكسر حاجز النقرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاء ولا براء، ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله، والله جل وتقدس يقول: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] ويقول جل وعلا: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: ٣٦]
ثامناً: أن الدعوة إلى (وحدة الأديان) إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام؛ لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد، فترضى بالكفر بالله عز وجل، وتبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الكتب، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأدياتن، وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعاً، محرمة قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع.
تاسعاً: وتأسيساً على ما تقدم:
١ - فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبياً ورسولاً، الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها، وتسليكها بين المسلمين، فضلاً عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها، والانتماء إلى محافلها.
٢ - لا يجوز لمسلم طباعة التوراة والإنجيل منفردين، فكيف مع القرآن الكريم في غلاف واحد!! فمن فعله أو دعا إليه فهو في ضلال بعيد؛ لما في ذلك من الجمع بين الحق (القرآن الكريم) والمحرف أو الحق المنسوخ (التوراة والإنجيل).
٣ - كما لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة: (بناء مسجد وكنيسة ومعبد) في مجمع واحد؛ لما في ذلك من الاعتراف بدين يعبد الله به غير دين الإسلام، وإنكار ظهوره على الدين كله، ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاثة؛ لأهل الأرض التدين بأي منها، وأنها على قدم التساوي، وأن الإسلام غير ناسخ لما قبله من الأديان، ولاشك أن إقرار ذلك أو اعتقاده أو الرضا به كفر وضلال؛ لأنه مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين، واعتراف بأن تحريفات اليهود والنصارى من عند الله، تعالى الله عن ذلك. كما أنه لا يجوز تسمية الكنائس (بيوت الله) وأن أهلها يعبدون الله فيها عبادة صحيحة مقبولة عند الله؛ لأنها عبادة على غير دين الله الإسلام، والله تعالى يقول: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: ٨٥] بل هي: بيوت يكفر فيها بالله، نعوذ بالله من الكفر وأهله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (٢٢/ ١٦٦): "ليست- أي: البيع والكنائس- بيوت الله، وإنما بيوت الله المساجد، بل هي بيوت يكفر فيها بالله، وإن كان قد يذكر فيها، فالبيوت بمنزلة أهلها وأهلها كفار، فهي بيوت عبادة الكفار".
عاشراً: ومما يجب أن يُعْلَم: أن دعوة الكفار بعامة وأهل الكتاب بخاصة إلى الإسلام واجبة على المسلمين بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة، ولكن ذلك لا يكون إلا بطريق البيان والمجادلة بالتي هي أحسن، وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام، وذلك للوصول إلى قناعتهم بالإسلام ودخولهم فيه، أو إقامة الحجة عليهم؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيَّ عن بينة، قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ٦٤] أما مجادلتهم واللقاء معهم ومحاورتهم لأجل النزول عند رغباتهم، وتحقيق أهدافهم، ونقض عُرَى الإسلام ومعاقد الإيمان، فهذا باطل يأباه الله ورسوله والمؤمنون، والله المستعان على ما يصفون، قال تعالى: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: ٤٩]
* وإن اللجنة إذ تقرر ذلك وتبينه للناس، فإنها توصي المسلمين بعامة، وأهل العلم بخاصة، بتقوى الله تعالى ومراقبته، وحماية الإسلام، وصيانة عقيدة المسلمين من الضلال ودعاته، والكفر وأهل، وتحذرهم من هذه الدعوة الكفرية الضالة: (وحدة الأديان)، ومن الوقوف في حبائلها، ونعيذ بالله كل مسلم أن يكون سبباً في جلب هذه الضلالة إلى بلاد المسلمين وترويجها بينهم. نسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يعيذنا جميعاً من مضلات الفتن، وأن يجعلنا هداة مهتدين، حماة للإسلام، على هدى ونور من ربنا حتى نلقاه وهو راضٍ عنا.
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو عضو نائب الرئيس الرئيس بكر بن عبد الله أبو زيد صالح بن فوزان الفوزان عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز