ثم نختم بالحق في هذه القصة، يقول شيخنا الشيخ أبو شهبة: وقد دل كتاب الله الصادق على لسان نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- الصادق، على أن الله -تبارك وتعالى- ابتلى نبيه أيوب -عليه الصلاة والسلام- في جسده وأهله وماله، وأنه صبر حتى صار مضرب الأمثال في ذلك، وقد أثني الله عليه هذا الثناء المستطاب، فقال -جل شأنه-: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}، فالبلاء مما لا يجوز أن يشك فيه أبدًا، والواجب على المسلم أن يقف عند كتاب الله، ولا يتزيّد في القصة كما تزيّد زنادقة أهل الكتاب، وألفقوا بالأنبياء ما لا يليق بهم، وليس هذا بعجيب من بني إسرائيل الذين لم يتجرءوا على أنبياء الله ورسله فحسب، بل تجرءوا على الله -تبارك وتعالى- ونالوا منه وفحشوا في القول، ونسبوا إليه ما قامت الأدلة العقلية والنقلية المتواترة على استحالته عليه - سبحانه وتعالى -، فكلنا يعلم أن بني إسرائيل هم الذين قالوا:{إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ}(آل عمران: ١٨١)، وهذا القول جاء في سورة " آل عمران " على لسانهم، وهم الذين جاء على لسانهم أيضًا قولهم:{يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا}(المائدة: ٦٤)، عليهم لعائن الله.
والذي يجب أن نعتقده أن أيوب قد ابتلي ولكن بلاءه لم يصل إلى حد هذه الأكاذيب؛ من أنه أصيب بالج ذ ام، ونعلم أن الج ذ ام مرض من أخبث الأمراض وأقذرها، وأيضًا أن جسمه أصبح قُرحة، هذا كلام لا يُقبل، وأنه ألقي على كناسة بني إسرائيل، هذا كلام لا يقبل، وأن الدود كان يرعى في جسده وتعبث به دواب بني إسرائيل، أو أصيب بمرض الجدري، كل هذا كلام ينافي سلامة الأنبياء والرسل الذين كلفهم الله بتبليغ الرسالة.
وأيوب -عليه صلوات الله وسلامه- أكرم على الله من أن يُلقى على مزبلة، وأن يصاب بمرض ينفّر الناس من دعوته ويق ز زهم منه، وأيّ فائدة تحصل من الرسالة وهو على هذه الحالة المزرية التي لا يرضاها الله لأنبيائه ورسله.