للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من شبه، ويثبت الحق ويقويه، وقد وضع الله هذه السنة في الخلق؛ ليتميز الخبيثُ من الطيب؛ فيفتتن ضعفاءُ الإيمان الذين في قلوبهم مرض، ثم يمحص الله الحق ويظهره، ويقبله من أراد الله له الهداية، وهم الذين أوتوا العلم؛ فيعلمون أنه الحق من ربهم، وتخبت له قلوبهم.

ثانيًا: أن المراد به -بالتمني- تشهي حصول الأمر المرغوب فيه وحديث النفس بما كان ويكون، والأمنية من هذا المعني كأن المعني: وما أرسل الله من رسول ولا نبي ليدعو قومه إلى هدًى جديدًا وشرعًا سابقًا إلا وغاية مقصودِة وجل أمانيه أن يؤمن قومه، وأن يصدقوا بالهداية التي جاء بها، وكان نبينا -صلى الله عليه وسلم- من ذلك في المقام الأعلى؛ فكان شديد الحرص على إيمان قومه، وكان إذا أعرضوا عنه حزن فقال له ربه: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (الكهف: ٦) {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (يوسف: ١٠٣) {فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} (يس: ٧٦) مثل هذه الآيات تبين أن النبي كان يريد هدايتهم، والمعني: وما أرسلنا من رسول ولا نبي إلا إذا تمني هذه الأمنية السامية، وهي هداية قومه ألقى الشيطان في سبيله العثرات، وأقام بينه وبين مقصده العقبات، ووسوس في صدور الناس؛ فثاروا في وجهه، وجادلوه بالسلاح حين وبالقول حين آخر، فإذا ظهروا عليه والدعوة في بدايتها ونالوا منه، وهو قليل الأتباع ظنوا أن الحق في جانبهم، وقد يستدرجهم الله جريًا على سنته يجعل الحرب بينهم وبين المؤمنين سجالا؛ فينخدع بذلك الذين في قلوبهم شك ونفاق، ولكن سرعان ما يمحو الله ما ألقاه الشيطان من الشبهات، ويزيل العراقيل، وينشئ من ضعفِ أنصار الآيات قوة ويبدلهم من ذلهم عزة، وتكون في النهاية كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى؛ ليعلم الذين أوتوا العلم أن ما جاء به الرسل هو الحق؛ فتخبت له قلوبهم، وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط

<<  <   >  >>